كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 31)

"""""" صفحة رقم 211 """"""
وأرغون هذا كان من أخص المماليك المنصورية الحسامية ، حتى لقد بلغني أنه أعطاه في يوم واحد ، سبعين فرساً ، وغير ذلك . فحمل أرسلان الطمع بالإمرة ، وحمل أرغون الغيرة من تقديم أمثاله عليه . ففعلا ما فعلا ، ونقلا ما نقلا .
وحضر الأمير بدر الدين بيسري إلى الخدمة ، في يوم الإثنين السادس من شهر ربيع الآخر . فأخبرني ركن الدين بيبرس الجمدار ، أحد المماليك البدرية ، الذين كانوا معه ، يوم القبض عليه ، أنه لما عبر إلى الخدمة ، تلقاه السلطان قائماً على عادته . وجلس إلى جانبه ، وبالغ السلطان في إكرامه . ولما قدم السماط ، امتنع الأمير بدر الدين من الأكل ، واعتذر بالصوم . فأمر السلطان برفع مجمع من الطعام لفطوره ، فرفع له . وبقي السلطان يحادثه سراً ، ويؤانسه ويشغله عن القيام ، إلى أن رفع السماط . وخرج الأمراء ، وقام الأمير بدر الدين معهم على عادته . فلما انتهى إلى بعض الإيوان ، استدعاه السلطان ، فعاد إليه . فقام له أيضاً وجلس معه ، وحدّثه طويلاً . والحجاب والنقباء يستحثون الأمراء على الخروج . ثم قام بيسري ، فاستدعاه السلطان أيضاً ، فعاد إليه . وقام السلطان له ، وجلس معه وتحدثا . قال الحاكي لي : ورأيت السلطان قد ناوله شيئاً من جيبه ، ما أعلم ما هو ، فتناوله الأمير بدر الدين ، ووضعه في جيبه ، وقبّل يد السلطان وفارقه . وقد خلى المجلس والدهاليز إلا من المماليك السلطانية . فلما خرج ، أتاه الأمير سيف الدين طقجي ، والأمير علاء الدين ايدغدي شقير الحسامي ، وعدلا به إلى جهة أخرى . وقبض ايدغدي شقير على سيفه ، وأخذه من وسطه ، ونظر إليه طقجي وبكى عند القبض عليه . وتوجها به إلى المكان الذي جهز لاعتقاله به . ولم يزل الأمير بدر الدين معتقلاً إلى أن مات ، في الدولة الناصرية على ما نذكره إن شاء الله تعالى .
وقبض السلطان أيضاً على الأمير سيف الدين الحاج بهادر الحلبي الحاجب ، ونُقل الأمير سيف الدين كرد أمير آخور إلى الحجبة . وقُبض على الأمير شمس الدين سنقر شاه

الصفحة 211