كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 31)

"""""" صفحة رقم 228 """"""
وكان رحمه الله تعالى ملكاً عادلاً ، يحب العدل ويعتمده ، ويرجع إلى الخير ويميل إليه ، ويقرب أهله . وكان حسن العشرة ، يجتمع بجماعة من المتعممين والعوام ، ويأكل طعامهم . وكان أكولاً ، ولم يكن في دولته وأيامه ما يعاب وينكر ، إلا انقياده إلى مملوكه نائبه منكوتمر ، والرجوع إلى رأيه ، وموافقته على مقاصده حتى كان عاقبة ذلك قتلهما . وأثرت موافقته له ، من الفساد على العباد والبلاد وسفك دماء المسلمين ، ما لم يستدرك . وذلك أن الأمراء الذين فارقوا الشام ، وتوجهوا إلى التتار خوفاً منه ، أوجب توجههم إلى قازان ، وصوله إلى الشام وخراب البلاد ، وسفك الدماء ، على ما نذكره بعد في موضعه إن شاء الله تعالى .
وبلغني أن الملك المنصور هذا مازال يستشعر القتل ، منذ قتل السلطان الملك الأشرف ، وأنه في يوم الخميس بعد العصر ، العاشر من شهر ربيع الآخر ، وهو اليوم الذي قتل فيه عشيته ، أحضر إليه ندب نشاب ميداني ، من السلاح خاناة السلطانية . فجعل يقلبه فردة فردة ، ويقتل كل فردة منها ، ويقول عند فتلها ، من قتل قتل ، وكرر هذا القول مراراً . فقتل بعد أربع ساعات من كلامه أو نحوها . وأجرى الله هذا الكلام على لسانه ، والنفوس حساسة في بعض الأحيان .
وحكي لي بعض من أثق به ، عن الأمير بدر الدين بكتوت العلائي حكاية عجيبة تتعلق به ، وبالسلطان الملك الأشرف ، أحببت ذكرها في هذا الموضع ، فالشيء بالشيء يذكر .
قال بكتوت العلائي : كنت في خدمة السلطان الملك الأشرف في الصيد ، وأنا يومئذ والأمير حسام الدين لاجين سلاح دارية ، نحمل السلاح خلف السلطان . فاجتمعنا بحلقة صيد ، وكانت النوبة في حمل السلاح خلف السلطان للأمير حسام الدين . وقد تقدمت إليه أنا ، في مكان من الحلقة ، وإذ أنا بلاجين قد أدركني ، وأعطاني سلاح السلطان . وقال : خذ السلاح ، وتوجه إلى السلطان ، فإنه قد رسم بذلك . فأخذت السلاح ، وتوجهت إلى خدمة السلطان . وساق لاجين في مكاني الذي كنت به من الحلقة . فلما انتهيت إلى السلطان ، وجدته وهو على فرسه ، وقد جعل طرف عصا المقرعة على رأس النمازين ، والطرف بجهته ، وكأنه في غيبة من حسه . فلما جئت قال لي : يا بكتوت والله ، التفتّ إلى ورائي ، فرأيت لاجين خلفي ، وهو حامل سلاحي ، والسيف في يده ، فخيّل

الصفحة 228