كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 31)

"""""" صفحة رقم 238 """"""
وفي هذه السنة ، عزل قاضي القضاة حسام الدين الرومي الحنفي عن القضاء بالديار المصرية ، وأعيد إلى القضاء بدمشق عوضاً عن ولده القاضي جلال الدين . وكان وصوله إلى دمشق في يوم الخميس ، سادس ذي الحجة . ولما عزل فوض القضاء بالديار المصرية ، على مذهب الإمام أبي حنيفة ، للقاضي شمس الدين أحمد السروجي الحنفي ، على عادته .
وفيها ، كانت وفاة الأمير الزهد بدر الدين الصوابي فجأة في ليلة الخميس ، تاسع جمادى الأولى ، ودفن بسفح قاسيون بكرة النهار . وكان أميراً ديناً صالحاً ، خيراً كثير البر والصدقة . وروى الحديث النبوي ، وكان له في الإمرة نحو أربعين سنة . وكان من مقدمي الألوف وأمراء المائة بالشام ، رحمه الله تعالى . وفيها ، كانت وفاة بدر الدين بيسري الشمسي الصالحي النجمي ، الأمير الكبير المشهور في معتقله ، بالقاعة الصالحية ، بقلعة الجبل المحروسة ، وأخرج ودفن بتربته . وكان الملك الناصر ، لما عاد إلى المُلك ، رسم بالإفراج عنه . فوقف الأمراء في ذلك ، وحسنوا للسلطان إبقاءه على ما هو عليه . فرجع إلى رأيهم وأبقاه ، فمات بعد ذلك بمدة يسيرة . وكان رحمه الله تعالى ، كريم النفس ، عالي الهمة ، يعطي الكثير ويستقله ، وكان عليه في أيام إمرته لجماعة كثيرة من مماليكه وأولادهم ، وخدامه ، الرواتب الوافرة من اللحم والتوابل والجرايات والعليق . فرتب لبعضهم في كل يوم سبعين رطلاً من اللحم بالمصري ، وما يحتاج إليه من التوابل والخضراوات والحطب ، وسبعين عليقة ، ولأقلهم خمسة أرطال ، وخمس علائق ، ولبعضهم عشرين رطلاً وعشرين عليقة ، هذا زيادة من جهته على ما لهم من الإقطاعات السلطانية . وبلغ ما يحتاج إليه في كل يوم بسماطه ودوره المرتب عليه فيما بلغني ، ثلاثة آلف رطل لحم ، وثلاث آلاف عليقة . وكان ينعم بألف دينار عيناً ، وبألف أردب غلة ، وبألف قنطار من العسل . ويتصدق على الفقراء بألف درهم وخمسمائة درهم . ولا يعطي أقل من ذلك إلا في النادر عند التعذر . ولا يفعل ذلك عن امتلاء ولا سعة . مازال عليه لأرباب الديون أربعمائة ألف درهم ، وأكثر من ذلك . وإذا وفى ديناً ، اقترض خلافه ، يتكرم بذلك . ولا يتجاسر أحد من مماليكه وألزامه أن يعدله عن ذلك ، ولا يشافهه في الإمساك عنه ، والاختصار منه . وإن كلمه أحد منهم ، أنكر عليه ، وربما ضربه ، وأهانه ، وعزله عن وظيفته ، وإن كان أستاذ دار أو مباشراً عنده . وكانت مكارمه كثيرة مشهورة وعطاياه وصلاته وافرة مذكورة ، ما رأى أهل عصره من أمثاله في المكارم والعطايا والإنفاق والهبات والصلات مثله ، رحمه الله تعالى ، ومات وعليه من الديون ، ما

الصفحة 238