كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 31)
"""""" صفحة رقم 24 """"""
وأما الميسرة الإسلامية ، فصدمتها ميمنة التتار ، فلم تثبت لترادف كراديسهم . وساق التتار وراء المسلمين ، حتى انتهوا إلى تحت حمص . ووقعوا في السوقة والعوام ، فقتلوا منهم خلقاً كثيراً . ولم تعلم المسلمون ما تهيأ للميمنة من النصر ، ولا علم التتار ما أصاب ميسرتهم ، فاستقل بعض من انهزم إلى دمشق ، وبعضهم إلى قرب صفد . ومنهم من وصل غزة .
ولما رأى التتار ، أنهم قد استظهروا ، نزلوا عن خيولهم في المرج الذي عند حمص ، وأكلوا الطعام ، ونهبوا الأثقال والوطاقات ، والخزانة . وانتظروا قدوم بقيتهم ، فلما أبطأوا عنهم ، أرسلوا من يكشف خبرهم ، فعاد الكشافة وأخبروهم أن منكوتمو هرب ، فركبوا خيولهم ، وكروا راجعين .
هذا والسلطان ثابت في موقفه ، في نفر يسير من المماليك ، والعساكر قد تفرقت . منهم من تبع التتار الذين انهزموا ، ومنهم من استمر به الهرب . فلما رجعت ميمنة التتار ، أمر السلطان أن تلف الصناجق ، وتبطل الكوسات ، فمروا ولم يقدموا عليه . وأخذوا على طريق الرستن ، ليلحقوا بأصحابهم . وعندما تقدموه قليلاً ، ساق عليهم ، فانهزموا لا يلوون على شيء . وكان ذلك تمام النصر ، وهو عند غروب الشمس من يوم الخميس . ومرّ هؤلاء المنهزمون من التتار نحو الجبل ، يريدون منكوتمر . وكان ذلك من تمام نعمة الله على المسلمين وإلا لو قدر الله أنهم رجعوا على المسلمين ، لما وجدوا فيهم قوة . ولكن الله نصر دينه ، وهزم عدوه مع قوتهم وكثرتهم . وانجلت هذه الواقعة عن قتلى كثيرة من التتر لا يحصى عددهم . وكتبت البطائق بالنصر .