كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 31)

"""""" صفحة رقم 245 """"""
والإنصاف ، وارتكابهم الجور والإعساف ، حملتنا الحمية الدينية ، والحفيظة الإسلامية ، على أن توجهنا إلى تلك البلاد ، لإزالة هذا العدوان ، وإماطة هذا الطغيان ، مستصحبين الجم الغفير من العساكر .
ونذرنا على أنفسنا ، إن وفقنا الله تعالى بفتح تلك البلاد ، أزلنا العدوان والفساد ، وبسطنا العدل والإحسان في كافة العباد ، ممتثلاً للأمر الإلهي : " إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلك تذكرون " . وإجابة لما ندب إليه الرسول ، ( صلى الله عليه وسلم ) ، " إن المُقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن ، وكلتا يديه يمين الدين ، يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا " . وحيث كانت طويتنا مشتملة على هذه المقاصد الحميدة والنذور الأكيدة . منّ الله علينا بتبلّج تباشير النصر المبين ، والفتح المستبين . وأتمّ علينا نعمته ، وأنزل علينا سكينته ، فقهرنا العدو الطاغية ، والجيوش الباغية ، وفرقناهم أيدي سبا ، ومزقناهم كل ممزق ، حتى جاء الحق وزهق الباطل ، إن الباطل كان زهوقا فازدادت صدورنا انشراحاً للإسلام ، وقويت نفوسنا بحقيقة الأحكام ، منخرطين في زمرة من حبّب إليهم الإيمان ، وزينه في قلوبهم ، وكرّه إليهم الكفر والفسوق والعصيان ، أولئك هم الراشدون ، فضلاً من الله ونعمة .
فوجب علينا رعاية تلك العهود الموثقة ، والنذور المؤكدة . فصدرت مراسيمنا العالية ، أن لا يتعرض أحد من العساكر المذكورة على اختلاف طباقاتها لدمشق وأعمالها ، وسائر البلاد الإسلامية الشامية ، وأن يكفوا أظفار التعدي عن أنفسهم وأموالهم وحريمهم ، ولا يحوموا حول حماهم بوجه من الوجوه ، حتى يشتغلوا بصدور مشروحة ، وآمال مفسوحة بعمارة البلاد ، وبما هو كل واحد بصدده من تجارة وزراعة وغير ذلك . وكان هذا الهرج العظيم ، وكثرة العساكر ، فتعرّض بعض نفر يسير من السلاحية وغيرهم ، إلى نهب بعض الرعايا وأسرهم ، فقتلناهم ليعتبر الباقون ، ويقطعوا أطماعهم عن النهب والأسر ، وغير ذلك من الفساد . وليعلموا أنا لا نسامح بعد هذا الأمر البليغ البتة ، وأن لا يتعرضوا لأحد من أهل الأديان ، على اختلاف أديانهم ، من اليهود والنصارى والصابئة . فإنهم إنما يبذلون الجزية عنهم ، من الوظائف الشرعية ، لقول عليّ عليه السلام : " إنما يبذلون الجزية ، لتكون أموالهم كأموالنا ، ودماؤهم كدمائنا " . وللسلاطين موصّون على أهل الذمة الطيعين ، كما هم موصون على المسلمين ، فإنهم من جملة الرعايا . قال ( صلى الله عليه وسلم ) : " الإمام الذي على الناس ، راع عليهم ، وكل راع مسؤول عن رعيته " .
فسبيل القضاة والخطباء والمشايخ والعلماء والشرفاء والأكابر والمشاهير وعامة الرعايا ، الاستبشار بهذا النصر الهني والفتح السني ، وأخذ الحظ الوافر من السرور ،

الصفحة 245