كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 31)

"""""" صفحة رقم 248 """"""
بعض المغل ، فيكون ذلك سبب الاختلاف ، وتدور الدائرة على أهل دمشق . فعدل الشيخ عن الشكوى إلى الدعاء ، وفارقه واجتمع بالوزيرين سعد الدين ، ورشيد الدين ، وتحدث معهما . فذكرا أن جماعة من المقدمين الأكابر ، لم يصل إليهم من مال دمشق شيء ، ولابد من إرضائهم . وأمر الوزير بإطلاق الأسرى . ثم اشتد الأمر على أهل دمشق ، في طلب الأموال وحصار القلعة . وجاء منجنيقي . فالتزم بأخذ القلعة ، وقرر أن يكون نصب المجانيق عليها بالجامع الأموي . فأجمع أرجواش رأيه ، أنه متى نصب المجانيع بالجامع ، رمى عليها بمجانيق القلعة . وكان ذلك يؤدي إلى هدم الجامع . فانتدِب رجال من أهل القلعة ، بعد أن تهيأت أعواد المجانيق ، ولم يبق إلا نصبها . وخرجوا بالحمية الإيمانية ، وهجموا الجامع ، ومعهم المناشير ، فأفسدوا ما تهيأ من أعواد المجانيق . ثم جددوا غيرها ، واحترزوا عليها . وحضر جماعة من المغل يبيتون بالجامع . فيقال إنهم انتهكوا حرمته ، واركبوا فيه المحارم ، من شرب الخمور والزنا ، وطرح القاذورات والنجاسات ، وقلّ حضور الناس فيه ، حتى أنه لم تقم فيه صلاة العشاء الآخرة ، في بعض الليالي . ونهب التتار سوق باب البريد .
وتحول الناس من حول الجامع ، وزهدوا في قربه لمجاورة التتار . فانتدِب رجل من أهل القلعة . وبذل نفسه ، والتزم بقتل المنجنيقي . وخرج إلى الجامع ، والمنجنيقي بين المغل ، وهو في ترتيب العمل . فتقدم إليه ، وضربه بسكين فقتله . وهجم رجال القلعة ، فتفرق المغل عن القاتل ، وحماه أصحابه ، فلجأ إلى القلعة ، وبطل على التتار ما دبروه من عمل المجانيق . واضطر أرجواش إلى هدم ما حول القلعة ، من المساكن والمدارس والأبنية ودار السعادة ، وطواحين باب الفرج ، وغير ذلك . كل ذلك احترازاً على حفظ القلعة ، وأن يتطرق العدو إليها . وحصل من إفساد التتار والأرمن وإخرابهم الأماكن ، بإفسادهم الصالحية ، وحرق جامع التوبة بالعُقيبة وغير ذلك ، ما بقيت آثاره ، بعد ذهاب العدو زمناً طويلاً . ثم أعاد المسلمون ذلك ، والحمد لله تعالى ، إلى أحسن ما كان .
واشتد الأمر على أهل دمشق في طلب الأموال ، في أواخر شهر ربيع الآخر ، وأوائل جمادى الأول ، وطلب من البلد ما لا يتحمله أهله . وتولى استخراج الأموال ، والمطالبة بها من أهل دمشق ، صفي الدين السنجاري ، وولد الشيخ محمد ابن الشيخ علي الحرير . وغلت الأسعار بدمشق هذه المدة .
ثم رجع غزان إلى بلاد الشرق ، يوم الجمعة ، ثاني عشر جمادى الأولى ونزل قطلوشاه نائبه بدمشق وجماعة كثيرة من التتار معه ، وجعل نيابة الشام إلى الأمير

الصفحة 248