كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 31)
"""""" صفحة رقم 25 """"""
وعاد السلطان من يومه إلى المنزلة ، بعد انفصال الحرب . وكان قد فرق ما بالخزانة من الذهب ، في أوساط مماليكه ، فسلم بجملته . وبات السلطان بالمنزلة ليلة الجمعة . فلما كان عند السحر ، ثار صياح بالوطاقات ، فظن الناس عود العدو ، فركب السلطان ومن معه وكان بالوطاقات ، فانكشف الخبر بعد ساعة ، أن جماعة من العسكر ، الذين تبعوا التتار عند الهزيمة رجعوا . وقتل من التتار في الهزيمة ، أكثر من الذين قتلوا في المصاف ، واختفت منهم طائفة بجانب الفرات . فأمر السلطان أن تضرم النيران بالأزوار التي على الفرات ، فأحرق أكثر من اختفى فيها . وهلكت فرقة منهم ، كانوا سلكوا درب سلمية .
ولما وصلت البطائق إلى الرحبة ، بخبر النصر وهزيمة التتار ، كان أبغا ملك التتار يحاصرها ، فدقت البشائر ، وأعلن الناس بالنصر ، ففارقها أبغا وتوجه إلى بغداد .
وعاد الأمير شمس الدين سنقر الأشقر إلى صهيون . ورجع إلى الخدمة السلطانية ممن كان معه ، ايتمش السعدي ، وسنجر الداواداري وكراي التتاري وولده ، وتماجي ، وجماعة من الأمراء الذين كانوا عنده . وعاد السلطان إلى دمشق ، فكان وصوله إليها ، في يوم الجمعة ثاني عشر شهر رجب الفرد . وامتدحه الشعراء ، وأكثروا المدائح والهناء بهذا النصر .
وخرج السلطان من دمشق ، عائداً إلى الديار المصرية ، في يوم الأحد ثاني شعبان . وكان وصوله إلى قلعة الجبل ، في يوم السبت الثاني والعشرين من الشهر ، فزينت له المدينة ، ودخل ، وبين يديه الأسرى ، وبعضهم يحمل صناجقهم المكسورة وطبولهم . وخلع السلطان على الأمراء والأكابر .
واستشهد في هذه الواقعة من الأمراء من نذكر : منهم الأمير عز الدين ازدمر الحاج . وهو الذي جرح منكوتمر ، وكان من أعيان الأمراء ، وكانت نفسه تحدثه أنه يملك . والأمير بدر الدين بكتوت الخازندار ، والأمير سيف الديان بلبان الرومي الداوادار الظاهري ، والأمير شهاب الدين توتل الشهرزوري ، رحمهم الله تعالى .