كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 31)

"""""" صفحة رقم 257 """"""
فنهض قاضي القضاة زين الدين المالكي في ذلك ، وتحدث مع الأمراء في ذلك . وذكر ضرورة العدول وفاقتهم واحتياجهم ، وأن جلوسهم في سوق الوراقين ، لتحصيل أقواتهم ، ولو قدروا على القوت ما جلسوا ، وقام في ذلك أتمّ قيام ، حتى اندفعت عنهم هذه المظلمة ، وأعفوا منها . واستُخرج من سائر الأعمال والبلاد والقرى بالديار المصرية ، قررت على كل بلد من البلاد المقطعة ، واستخرجت الأموال من الرعايا والفلاحين .
وأما دمشق ، فإنه رُسم باستخراج أجرة أربعة أشهر من أرباب الأملاك والأوقاف التي بدمشق وظاهرها ، ومن الضياع ، التي ضمانها أكثر من أمدائها ثلث ضمانها . وإن كانت أمداؤها أكثر من ضمانها ، استخرج عن كل مدى ، ستة دراهم وثلثا درهم - والمُدى أربعون ذراعاً في مثلها ، يكون تكسيره ألف ذراع وستمائة ذراع ، بذراع العمل - فنال الناس من ذلك شدة . وكان المال المطلوب ، عن ما تحصل في سنة تسع وتسعين وستمائة .
وفيها ، في المحرم ، كثرت الأراجيف بحركة التتار ، فجفل أهل الشام أجمع ، منهم من التجأ إلى الحصون ، وأكثرهم وصلوا إلى الديار المصرية ، حتى امتلأت القاهرة ومصر منهم . وكان سعر القمح ، قبل وصول هذه الجفول ، عن كل أردب عشرين درهماً . فنزل إلى خمسة عشر درهماً ، على ما نذكره إن شاء الله تعالى .
ذكر توجه السلطان الملك الناصر بالعساكر إلى الشام وعوده
لما كثرت الأراجيف وقويت الشناعة ، بقرب التتار ، توجه السلطان بالعساكر إلى الشام . واستقل ركابه من منزلة مسجد التبن ، وهي المنزلة الأولى من قلعة الجبل ، في يوم السبت ثالث عشر صفر ، ووصل إلى غزة ، ونزل بمنزلة بدعرش ، وأقام بها .

الصفحة 257