كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 31)

"""""" صفحة رقم 258 """"""
وتوالت الأمطار وكثرت ، واشتد البرد ، وانقطعت الأجلاب عن العسكر ، حتى عدمت الأقوات . واستمر السلطان بهذه المنزلة إلى سلخ شهر ربيع الآخر . ثم عاد إلى القاهرة ، فكان وصوله إلى قلعة الجبل في يوم الإثنين ، حادي عشر جمادى الأولى ، بعد أن جرد من منزلته بدعرش ، الأمير سيف الدين بكتمر السلاح دار ومضافيه ، والأمير بهاء الدين يعقوبا الشهرزوري ومضافيه . فتوجهوا إلى دمشق بألفي فارس ، فوصلوا إليها ، في سابع جمادى الأولى .
ولما ظهر بدمشق عود السلطان إلى الديار المصرية ، خرج من بقي من الدماشقة إلى الديار المصرية . وذلك أن متولي دمشق ، كان يمر بالأسواق فيقول للناس : ما يجلسكم ها هنا ، وأي شيء تنتظرون ، وأشباه هذا الكلام . ثم نودي بدمشق في تاسع جمادى الأولى ، من أقام ، فدمه في عنقه ، ومن عجز عن السفر فليتحصن بالقلعة . وفي مدة مقام السلطان بمنزلة بدعرش ، توفي الأمير سيف الدين بلبان الطباخي . واستعفي الأمير سيف الدين كراي المنصوري من نيابة السلطنة بصفد ، فأعفي منها ؛ وأقطع إقطاع الأمير سيف الدين الطباخي بالديار المصرية . وفوضت نيابة المملكة الصفدية إلى الأمير سيف الدين بتخاص المنصوري ، أحد أمراء الشام .
ذكر وصول غازان إلى الشام وعوده وما فعلته جيوشه
كان من خبر غازان في هذه السنة ، أنه وصل بجيوشه إلى بلاد حلب ، ونزل بقرون حماه إلى بلاد سرمين . وبعث معظم جيوشه إلى جبال أنطاكية وجبال السماق . فنهبوا من الدواب والأغنام والأبقار شيئاً كثيراً . وسبوا من النساء والصبيان وأسروا من الرجال خلقاً كثيراً . وكانوا في سنة تسع وتسعين وستمائة لم يصلوا إلى هذه الجهة ، فظن الناس أنهم لا يقصدونها في هذه السنة . فاجتمع بها خلق كثير ، فقُتلوا وأُسروا وسُبوا . ورخصت الأسرى من المسلمين ، حتى بيع الأسير والأسيرة بعشرة دراهم . واشترى الأرمن منهم خلقاً كثيراً ، وسيروا في المركب إلى بلاد الفرنج . وأرسل الله تعالى على غازان وجيوشه أمطاراً كثيرة وثلوجاً ، حتى هلك كثير منهم . فرجع بعساكره إلى بلاد الشرق ، وقد نفق من خيولهم ما لا تحصى كثرة ، فرجعوا شبه المكسورين .

الصفحة 258