كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 31)

"""""" صفحة رقم 266 """"""
الله فلا يأمن مكر الله " . وظننا أنهم حيث تحققوا كنه الحال ، وآل بهم الأمر إلى ما آل ، أنهم ربما تداركوا الفارط في أمرهم ، ورتقوا ما فتقوا بغدرهم ، وأوجه إلينا وجه عذرهم ، وأنهم ربما سيروا إلينا حال دخولهم إلى الديار المصرية ، رسلاً لإصلاح تلك القضية . فبقينا بدمشق غير متحثحثين ، وتثبطنا تثبط المتملكين المتمكنين . فصدهم عن السعي في صلاح حالهم التواني ، وعللوا نفوسهم عن اليقين بالأماني .
ثم بلغنا ، بعد عودنا إلى بلادنا ، أنهم ألقوا في قلوب العساكر والعوام ، وراموا جبر ما أوهنوا من الإسلام ، أنهم فيما بعد يلقوننا على حلب أو الفرات . وأن عزمهم مصر على ذلك لا سواه . فجمعنا العساكر وتوجهنا للقياهم . ووصلنا الفرات مرتقبين ثبوت دعواهم ، وقلنا ولعلهم وعساهم . فما طلع لهم بارق ، ولا ذرّ شارق . فتقدمنا إلى أطراف حلب ، وتعجبنا من بطئهم غاية العجب . فبلغنا رجوعهم بالعساكر ، وتحققنا نكوصهم عن الحرب . وفكرنا في أنه متى تقدمنا بعساكرنا الباهرة وجموعنا العظيمة القاهرة ، ربما أخرب البلاد مرورها ، وبإقامتهم فيها فسدت أمورها . وعم الضرر العباد ، والخراب البلاد . فعدنا بُقيا عليها ، ونظرة لطف من الله إليها .
وها نحن الآن أيضاً مهتمون بجمع العساكر المنصورة ، ومشحذون غرار عزماتنا المشهورة ، ومشتغلون بصنع المجانيق وآلات الحرب ، وعازمون بعد الإنذار " وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً " . وقد سيرنا حاملي هذا الفرمان : الأمير الكبير ناصر الدين علي خواجه ، والإمام العالم ملك القضاة ، كمال الدين موسى بن يونس . وقد حملناهما كلاماً يشافهاهم به . فليثقوا بما تقدمنا به إليهما . فإنهما من الأعيان المعتمد عليهما ، لنكون كما قال الله تعالى : " قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين " . فيعدوا لنا الهدايا والتحف . فما بعد الإنذار من عاذر . وإن لم يتداركوا الأمر ، فدماء المسلمين وأموالهم مطلولة بتدبيرهم ، ومطلوبة منهم عند الله على طول تقصيرهم .
فليمعن السلطان لرعيته النظر في أمره . فقد قال ( صلى الله عليه وسلم ) : " من ولاه الله أمراً من أمور هذه الأمة ، واحتجب دون حاجتهم وخلتهم وفقرهم . احتجب الله دون حاجته وخلته وفقره " . وقد أعذر من أنذر ، وأنصف من حذّر . والسلام على من اتّبع الهدى .
كتب في العشر الأوسط من شهر رمضان سنة سبعمائة بجبال الأكراد ، والحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد المصطفى وآله الطاهرين .
فقرئ كتابه ، ورسم بإنشاء جوابه ، فكتب . وهو من إنشاء المولى القاضي علاء الدين علي ابن المولى المرحوم فتح الله محمد ابن القاضي المرحوم محيي الدين عبد

الصفحة 266