كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 31)

"""""" صفحة رقم 269 """"""
ولو أمعنوا النظر في ذلك ، لما كانوا به مفتخرين ، ولتحققوا أن الذي اتفق لهم ، كان غرماً لا غنماً ، وتدبروا معنى قوله تعالى ، " إنما نُملي لهم ليزدادوا إثماً " . ولم يخف عنهم من أبلتهم السيوف الإسلامية منهم . وقد رأوا عزم من حضر من عساكرنا ، التي لو كانت مجتمعة عند اللقاء ، ما ظهر خبرٌ عنهم .
فإنا كنا في مفتتح ملكنا ، ومتبدأ أمرنا ، حللنا بالشام للنظر في أمور البلاد والعباد . فلما تحققنا خبركم ، وقفونا أثركم ، بادرنا نقدّ أديم الأرض سيراً ، وأسرعنا لندفع عن المسلمين ضرراً وضيراً ، ونؤدي من الجهاد السنة والفرض ونعمل بقوله تعالى : " وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض " فاتفق اللقاء بمن حضر من عساكرنا المنصورة ، وثوقاً بقوله تعالى : " كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة " وإلا فأكابركم يعلمون وقائع الجيوش الإسلامية ، التي كم وطئت موطئاً يغيظ الكفار . فكُتب لها به عمل صالح ، وسارت في سبيل الله ، ففتح الله عليها أبواب المناجح . وتعددت أيام نصرتها ، التي لو دققتم الفكر فيها لأزالت ما حصل عندكم من لبس ، ولما قدرتم على أن تنكروها ، وفي تعب من يجحد ضوء الشمس . ومازال الله لنا نعم المولى ونعم النصير . وإذا راجعتموهم قصّوا عليكم نبأ الاستظهار ، ولا ينبئك مثل خبير .
ومازالت تتفق الوقائع بين الملوك والحروب ، وتجري المواقف التي هي بتقدير الله ، فلا فخر فيها للغالب ، ولا عار على المغلوب . وكم ملك استظهر عليه ، ثم نصر ، وعاوده التأييد . فجبر بعدما كسر ، خصوصاً ملوك هذا الدين ، فإن الله تكفل لهم بحسن العقبى . فقال سبحانه : " والعاقبة للمتقين " .
وأما إقامتهم الحجة علينا ، ونسبتهم التفريط إلينا ، في كوننا لم نسيّر إليهم رسولاً ، عندما حلوا بدمشق فنحن عندما وصلنا إلى الديار المصرية ، لم نزد على أن اعتددنا وجمعنا جيوشنا من كل مكان . وبذلنا في الاستعداد غاية الجهد والإمكان وأنفقنا جزيل الأموال في العساكر والجحافل . ووثقنا بحسن الخلف ، لقوله تعالى : " مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل " .
ولما خرجنا من الديار المصرية ، وبلغنا خروج الملك من البلاد ، لأمر حال بينه وبين المراد ، توقفنا عن المسير ، توقف من أغنى رُعْبُه عن حث الركاب ، وتثبتنا تثبت الراسيات " وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب " وبعثنا طائفة

الصفحة 269