كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 31)

"""""" صفحة رقم 270 """"""
من العساكر المقاتلة من أقام بالبلاد ، فما لاح لنا منهم بارق ولا ظهر . وتقدمت فتخطفت من حمله على التأخر الغرر ؛ ووصلت الفرات فما وقفت للقوم على أثر . وأما قولهم : أننا ألقينا في قلوب العساكر والعوام ، أنهم فيما بعد يلتقوننا على حلب أو الفرات ، وأنهم جمعوا العساكر ورحلوا إلى الفرات والى حلب ، مرتقبين وصولنا . فالجواب عن ذلك ، أنه من حين بلغنا حركتهم ، جزمنا ، وعلى لقائهم عزمنا ، وخرجنا وخرج أمير المؤمنين الحاكم بأمر الله ، ابن عم سيدنا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، الواجب الطاعة على كل مسلم ، المفترض المبايعة والمتابعة على كل منازع ومسلم ، طائعين لله ولرسوله في أداء فرض الجهاد ، باذلين في القيام بما أمرنا الله تعالى غاية الاجتهاد ، عالمين أنه لا يتم أمر دين ولا دنيا إلا بمشايعته . ومن والاه فقد حفظه الله وتولاه . ومن عانده أو عاند من أقامه ، فقد أذله الله .
فحين وصلنا إلى البلاد الشامية ، تقدمت عساكرنا إلى السهل والجبل ، وتبلغ بقوة الله تعالى في النصر الرجاء والأمل . ووصلت أوائلها إلى أطراف حماه وتلك النواحي ، فلم يقدم أحد منهم عليها . ولا جسر أن يمد حتى ولا الطرف إليها . فلم نزل مقيمين ، حتى بلغنا رجوع الملك إلى البلاد ، وإخلافه موعد اللقاء ، والله لا يخلف الميعاد . فعدنا لاستعداد جيوشنا التي لم تزل تندفع في طاعة الله تعالى ، اندفاع السيل ، عاملين بقوله تعالى : وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل " .
وأما ما جعلوه عذراً في الإقامة بأطراف البلاد ، وعدم الإقدام عليها ، وأنهم لو فعلوا ذلك ، ودخلوا بجيوشهم ، ربما أخرب البلاد مرورها ، وبإقامتهم فيها فسدت أمورها ، فقد فهم هذا المقصود . ومتى ألِفت البلاد والعباد منهم هذا الإشفاق ومتى اتصفت جيوشهم بهذه الأخلاق ؟ وها آثارهم موجودة ودعاوى خلافها بمشاهدة الحال مردودة . وهل هذا اعتماد من رمق شخص الإسلام بإنسانه ؟ كيف ورسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول : " المسلم من سلم الناس من يده ولسانه " . وأسارى المسلمين عندهم في أشد وثاق ، وفي يد الأرمن والتكفور منهم ، ما يخالف ما ادعوه من إشفاق .

الصفحة 270