كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 31)

"""""" صفحة رقم 271 """"""
وقد كان المسلمون غزوا عسكر أبغا ، وقتلوا من قتلوا من التتار ، وحصل لهم التمكن في البلاد والاستظهار ، واستولوا على ملك آل سلجوق ، وما تعرضوا لدار ولا جار ، ولا عفوا أثراً من الآثار . وما حصل لمسلم منهم ضرر ولا أذى في ورد ولا صدر . وكان أحدهم يشتري قوته بدرهمه وديناره ، ويأبى أن تمتد إلى أحد من المسلمين يد أضراره . هذه سنة أهل الإسلام ، وفعل من يريد لملكه الدوام .
وأما ما أرعدوا به وأبرقوا ، وأرسلوا به عنان قلمهم وأطلقوا ، وما أبدوه من الاهتمام بجمع عساكرهم ، وتهيئة المجانيق ، إلى غير ذلك مما ذكروه من التهويل ، فالله تعالى يقول : " الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل " .
وأما قولهم : وإلا فدماء المسلمين مطلولة ، فما كان أغناهم عن هذا الخطاب ، وأولاهم بأن لا يصدر إليهم عن ذلك جواب ، ومن قصد الصلح والإصلاح ، كيف يقول هذا القول ، الذي عليه فيه من جهة الله ، ومن جهة رسوله أي جناح ؟ وكيف يضمر هذه النية ، ويتبجح بهذه الطوية ؟ ولم يخف مواقع الزلل من هذا القول وخلله ، والنبي ( صلى الله عليه وسلم ) يقول " نية المرء أبلغ من عمله " . وبأي طريق تهدر دماء المسلمين ، التي من تعرض إليها ، يكون الله له في الدنيا والآخرة مطالباً وغريماً ، ومؤاخذاً بقوله تعالى : " ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً " .
وإذا كان الأمر كذلك ، فالبشرى لأهل الإسلام ، بما نحن عليه من الهمم المصروفة إلى الاستعداد ، وجمع العساكر التي يكون لها الملائكة الكرام ، إن شاء الله تعالى من الأمجاد والاستكثار من الجيوش الإسلامية المتوفرة العدد ، المتكاثرة المدد ، الموعودة بالنصر ، الذي يحفها في الظعن والإقامة ، الواثقة بقوله ( صلى الله عليه وسلم ) : " لاتزال طائفة من أمتي ظاهرين على عدوهم إلى يوم القيامة " . المبلغة في نصر دين الله آمالاً ، المستعدة لإجابة داعي الله إذ قال : " انفروا خفافاً وثقالاً " . وأما رسلهم ، وهم فلان وفلان ، فقد وصلوا إلينا ، ووفدوا علينا ، وأكرمنا

الصفحة 271