كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 31)

"""""" صفحة رقم 272 """"""
وفادتهم ، وغزرنا لأجل مرسلهم من الإقبال مادتهم ، وسمعنا خطابهم ، وأعدنا جوابهم هذا ، مع كوننا لم يخْفَ علينا انحطاط قدرهم ، ولا ضعف أمرهم . وأنهم ما دعفوا الأفواه الخطوب إلا لما ارتكبوه من ذنوب . وما كان ينبغي أن يُرسلَ مثل هؤلاء لمثلنا من مثله . ولا ينتدب لهذا الأمر المهم إلا من يُجمع على فصل خطابه وفضله .
وأما ما التمسوه من الهدايا والتحف ، فلو قدموا من هداياهم حسنة ، لعوضناهم بأحسن منها . ولو أتحفونا بتحفة لقابلناهم بأجمل عوض عنها . وقد كان عمهم الملك أحمد ، راسل والدنا السلطان الشهيد وناجاه بالهدايا والتحف من مكان بعيد . وتقرب إلى قلبه بحسن الخطاب ، فأحسن له الجواب ، وأتى البيوت من أبوابها ، بحسن الأدب ، وتمسك من الملاطفة بأقوى سبب .
والآن ، فحيث انتهت الأجوبة إلى حدها ، وأدركت الأنفة من مقابلة ذلك الخطاب غاية قصدها ، فنقول : إذا جنح الملك للسلم ، جنحنا لها ، وإذا دخل في الملة المحمدية ، ممتثلاً ما أمر الله به ، مجتنباً ما عنه نهى ، وانضم في سلك الإيمان ، وتمسك بموجباته ، تمسك المتشرف بدخول فيه لا المنان ، وتجنّب التشبه بمن قال الله عز وجل في حقهم : " قل لا تمنّوا عليّ إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان " . وطابق فعله قوله ، ورفض الكفار الذين لا يحل له أن يتخذهم حوله ، وأرسل إلينا رسولاً من جهته يرتّل آيات الصلح ترتيلاً ؛ ويروق خطابه وجوابه ، حتى يتلو كل أحد عند عوده " يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلاً " . صارت حجتنا وحجته المركبة على من خالف ذلك ، وكلمتنا وكلمته قامعة أهل الشرك في سائر الممالك ، ومظافرتنا له تكسب الكافرين هوانا ؛ والمشاهد لتصافينا يتلو قوله تعالى : " واذكروا نعمة الله عليكم إذا كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً . وينتظم إن شاء الله تعالى شمل الصلح ، أحسن انتظام . ويحصل التمسك من الموادعة والمصافاة بعروة ولا انفصال لها ولا انفصام . وتستقر قواعد الصلح ، على ما يرضي الله ورسوله عليه أفضل الصلاة والسلام ، إن شاء الله تعالى .
كتب في ثامن وعشرين المحرم سنة إحدى وسبعمائة .

الصفحة 272