كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 31)
"""""" صفحة رقم 30 """"""
ولما وصل العسكر إلى ثغر أسوان ، مات متملك النوبة ، فدفن بأسوان . وطالع الأمير عز الدين الأفرم السلطان بذلك . فأرسل إليه ، من أولاد أخت الملك داود رجلاً ، كان بالأبواب السلطانية . ورسم له أن يملّكه بالنوبة ، فأدركهم على خيل البريد ، قبل رحيل العسكر من أسوان . ولما وصل إليهم انقسم العسكر نصفين على العادة . فكان الأمير عز الدين الأفرم ، والأمير سيف الدين قبجاق ، ونصف العسكر ونصف العربان بالبر الغربي ، والأمير عز الدين أيدمر ، متولي الأعمال القوصية ، والأمير سيف الدين بكتمر الجوكندار ، ونصف العسكر ونصف العربان بالبر الشرقي . وتوجهوا ورسموا الجريس نائب النوبة أن يتقدمهم ، منزلة بمنزلة ، ومعه أولاد الكنز ، أمراء أسوان ، ليطمئنوا أهل البلاد ويؤمنوهم ، ويجهزوا الإقامات للعسكر . فكان الجيش إذا وافى بلداً ، خرج من بها من المشايخ وأعيانها ، وقبلوا الأرض بين يدي الأمراء ، وأخذوا أماناً واستقروا ببلدهم ، وذلك من الدّو إلى الجزائر ميكائيل ، وهي البلاد التي كانت تحت يد جريس ، صاحب الجبل . وأما ما عدا ذلك من البلاد ، التي لم يكن لجريس عليها ولاية ، فإنها أخليت ، طاعة لمتملك النوبة . فكان العسكر ينهب ما يجد بها ، ويقتل من تخلف من أهلها بها ، ويرعون زروعهم ، ويحرقون سواقيهم ومساكنهم ، إلى أن انتهوا إلى مدينة دنقلة . فوجدوا الملك قد أخلاها ، وأجلى أهلها ، ولم يجد الأمراء بها إلا شيخاً كبيراً وعجوزاً . فسألوهما عن أخبار الملك ، فذكرا أنه توجه إلى جزيرة وسطى ، في بحر النيل ، مسافتها من دنقلة خمسة عشر يوماً . واتساع هذه الجزيرة مسافة ثلاثة أيام طولاً . فتبعهم الأمير عز الدين ومن معه إلى الجزيرة المذكورة ولم يصحبهم حراق ولا مركب ، لتوعر البحر بالأحجار . فلما انتهوا إلى قبالة الجزيرة ، شاهدوا بها عدة من مراكب النوبة ، وجمعاً كثيراً . فسألوهم عن الملك ، فأخبروهم أنه بالجزيرة المذكورة ، فعرضوا عليه الدخول في الطاعة والحضور ، وبذلوا له الأمان ، فأبى ذلك . فأقام العسكر ثلاثة أيام ، وأوهموه أنهم أرسلوا يطلبون المراكب والحراريق ، ويعدون إليه ويقاتلونه . فانهزم من الجزيرة إلى جهة الأبواب ، وهي مسافة