كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 31)

"""""" صفحة رقم 35 """"""
معاوية بن أبي سفيان على الشام ، وجه معاوية إلى طرابلس سفيان بن نجيب الأزدي ، وكانت إذ ذاك ثلاث مدن مجتمعة ، فبنى في مرج على أميال منها حصناً ، سمي بحصن سفيان . وقطع الميرة عن أهل طرابلس ، وحاصرها . فلما اشتد الحصار على أهلها ، اجتمعوا في أحد الحصون الثلاثة ، وكتبوا إلى ملك الروم ، يسألونه أن يمدهم ، أو يبعث إليهم بمراكب ينهزمون فيها . فسير إليهم مراكب كثيرة ، فركبوها ليلاً وهربوا . فلما أصبح سفيان ، وتقدم لقتالهم على عادته ، وجد الحصن خالياً ، فملكه ، وكتب إلى معاوية بالفتح . فأسكنه معاوية جماعة كثيرة من اليهود ، وهو الحصن الذي فيه المينا ثم بناه عبد الملك بن مروان وحصنه .
وكان معاوية يوجه في كل سنة جماعة من الجند ، يشحنها بهم ، ويوليها نائباً . فإذا غلق البحر ، عاد الجند وبقي النائب في جماعة يسيرة . فما برح أمرها كذلك ، حتى ولى عبد الملك بن مروان . فقدم بطريق في بطارقة الروم ، ومعه خلق كثير . فسأل أن يعطى الأمان ، على أن يقيم بها ، ويؤدي الخراج ، فأجيب إلى ذلك . فلم يلبث غير سنتين أو أكثر بأشهر ، عند عود الجند منها ، حتى أغلق بابها ، وأسر من بقي بها من الجند ، وعدة من اليهود ، وتوجه هو وأصحابه إلى بلاد الروم . فقدر الله ، عز وجل أن ظفر به المسلمون بعد ذلك ، في البحر وهو متوجه في مراكب كثيرة ، فأسر وأحضر إلى عبد الملك ، فقتله وصلبه . وقد قيل إنه إنما كان تغلبه عليها ، وقتل من بها ، بعد وفاة عبد الملك . ثم فتحها الوليد بن عبد الملك . ولم يزل في طرابلس نواب الخلفاء ، مدة أيام بني أمية ، وأيام بني العباس ، إلى أن استولى العبيديون ملوك مصر على دمشق ، على ما قدمنا ذكر ذلك في أخبارهم . فأفردوا طرابلس عن دمشق ، وكانت قبل ذلك مضافة إليها . وولوا عليها من جهتهم ريان الخادم ، ثم سند الدولة ثم أبا السعادة ، ثم علي بن عبد الرحمن بن حيدرة ، ثم نزال ، ثم مختار الدولة بن نزال . ثم تغلّب عليها قاضيها أمين الدولة أبو طالب الحسن بن عمار . ولم يزل بها إلى أن توفي ، في سنة أربع وستين وأربعمائة . وكان ابن عمار هذا ، رجلاً عاقلاً ،

الصفحة 35