كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 31)
"""""" صفحة رقم 36 """"""
سديد الرأي ، وكان شيعياً ، من فقهائهم . وكانت له دار علم بطرابلس ، فيها ما يزيد على مائة ألف كتاب وقفا . وهو الذي صنّف كتاب ترويج الأرواح ومصباح المرور والأفراح ، المنعوت بجراب الدولة . ولما مات أمين الدولة ، كان بطرابلس ، سديد الملك بن منقذ ، هرب من محمود بن صالح . فساعد جلال الملك أبا الحسن علي بن محمد بن عمار وعضده بمماليكه ، وبمن كان معه من أصحابه . فأخرجوا أخا أمين الدولة من طرابلس ، وولى جلال الملك . فلم يزل متولياً عليها ، حتى مات في سلخ شعبان ، سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة ، وملكها بعده أخوه فخر الملك عمار بن محمد بن عمار ، واستقر بها ، إلى أن نازلها صنجيل ، واسمه ميمنت وهو ميمون . وصنجيل اسم مدينة نسب إليها . فنزل صنجيل بجموعه على طرابلس ، في شهر رجب سنة خمس وتسعين وأربعمائة ، وحاصرها وضايقها ، وابتنى عليها حصناً ، يقاتل أهلها منه ، ويعرف به إلى وقتنا هذا .
فبعث فخر الملك الهدايا والتحف إلى الملوك واستنجدهم واستنصرهم ، فلم ينجده أحد منهم . فلما أيس منهم بذل لصنجيل في رحيله عنه أموالاً ، وبعث إليه ميرة ، فلم يجبه إلى ذلك . فلما ضاق ذرعاً بالحصار ، وعجز عن دفعه ، خرج من طرابلس ، بعد أن استناب بها ابن عمه ، أبا المناقب ، ورتب معه سعد الدولة فتيان ابن الأغر . وأنفق في العسكر ستة شهور . وصار يقصد السلطان محمود بن ملكشاه السلجوقي . فجلس أبو المناقب في بعض الأيام ، وعنده وجوه طرابلس وأكابرها ، فخلط في كلامه ، فنهاه سعد الدولة بلطف فجرد سيفه ، وضرب سعد الدولة فقتله . وانهزم من كان في المجلس . وقام أبو المناقب ، وصعد على السور ، وصفق بإبطيه ، فأمسكه أهل البلد وحبسوه ، ونادوا بشعار الأفضل أمير الجيوش ، شريك الخليفة الفاطمي صاحب مصر ، وذلك في شهر رمضان سنة خمسمائة .
ثم مات صنجيل في ثامن وعشرين رمضان ، وتولى مكانه مقدم اسمه السرداني .