كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 31)

"""""" صفحة رقم 37 """"""
ولما نادى أهل طرابلس بشعار الأفضل ، وبلغه ذلك حضر إليهم جيشاً في البحر ، وقدم عليهم تاج العجم . فلما وصل إلى طرابلس ، أخذ جميع الأموال ، وما يحفظ به البلد . وبلغ الأفضل أنه يقصد العصيان بطرابلس . فقبض على ما كان حصّله ، وولى بدر الدولة ابن أبي الطيب الدمشقي . فوصل إلى طرابلس ، وكان أهلها قد ضاقت صدورهم ، من طول الحصار . ثم رأوا من خلفه ، ما رغبهم عنه ، ونفرهم منه ، فعزموا على طرده . ثم رأوا إبقاءه ، لأنهم لا ملجأ لهم إلا من جهة المصريين .
ثم وصلت مراكب من مصر بالغلات والرجال ، فقرر المذكور مع مقدم الأسطول ، القبض على أعيان البلد ، وأصحاب فخر الملك بن عمار وحريمه . فأخذهم وسيّرهم في البحر إلى مصر . وبعث معهم ما كان في طرابلس من السلاح والذخائر ما لم يكن عند أحد من الملوك مثله . وبعث مائة ألف دينار عيناً . فلما وصلوا إلى مصر ، اعتقل الأفضل أهل بني عمار .
وأما فخر الملك بن عمار ، فإنه وصل إلى بغداد ، واجتمع بالسلطان محمود . وأقام ببغداد ، فما تهيأ له منه ما طلبه ، وبلغه رجوع أمر طرابلس إلى المصريين ، وأن حريمه وأمواله وذخائره وسلاحه نقل إلى مصر . فرجع إلى دمشق ، فدخلها في نصف المحرم ، سنة اثنتين وخمسمائة ، فأكرمه أتابك طغتكين صاحب دمشق . فسأله أن يعينه على الدخول إلى جبله ، فسير معه عسكراً فدخلها .
وأما الفرنج ، فإنهم لازموا الحصار ، وضايقوا البلد حتى ملكوه ، وقتلوا وأسروا ونهبوا وسبوا ، وذلك يوم الثلاثاء ثالث ذي الحجة سنة اثنتين وخمسمائة . وقد تقدم أن أخذها كان في يوم الإثنين لإحدى عشرة ليلة خلت من ذي الحجة سنة ثلاث وخمسمائة ، والله أعلم . وحكي أن السبب في أخذ طرابلس ، أنه لما ضايقها الفرنج ، كتب من بها إلى الديار المصرية ، يستنجدون الخليفة ، ويسألونه الميرة ، وأقاموا ينتظرون ورود الجواب بالمدد والميرة . فبينما هم في ذلك ، إذا بمركب قد أقبل ، فما شكوا أن فيه نجدة . فطلع منه رسول ، وقال قد بلغ الخليفة ، أن بطرابلس جارية حسنة الصورة ، وأنها تصلح

الصفحة 37