كتاب الآثار المروية عن أئمة السلف في العقيدة من خلال كتب ابن أبي الدنيا (اسم الجزء: 2)

المطلب الثالث: الآثار الواردة في الارتحال عن بلد الفتنة.

٩٥٦ - كتب إليّ أبو نصر قال: سمعت عبد اللَّه بن خبيق يقول: قال محمد بن يوسف (¬١): "استشرت سفيان الثوري في المقام بالشام فقال: لا أرى لك ذلك؛ لأنها بلاد فتنة، ولكن إن صح عزمك فعليك ببعض السواحل، ثم استفد مائة صديق، فإذا استقصيت أمرهم فاطرح تسعة وتسعين، وكن من الواحد في شك، واعلم أنه لم يكن في الأرض إلا وزيرين -ولدي آدم- غضب أحدهما على الآخر فقتله" (¬٢).

التحليل والتعليق
تضمن أثر الزهري رحمه اللَّه مشروعية الانتقال من بلد الفتنة إلى البلاد الأكثر استقرارا، خوفا على الدين وعدم الثبات، قال ابن كثير -لما تكلم عن أصحاب الكهف-: "المشروع عند وقوع الفتن في الناس أن يفر العبد منهم خوفا على دينه" (¬٣)، وقال ابن عبد البر تعليقا على قول أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-: "والذي نفسي بيده ليوشك أن يأتي على الناس زمان تكون
---------------
(¬١) هو محمد بن يوسف بن واقد بن عثمان الضبي مولاهم الفِرْيابي، نزيل قيسارية من ساحل الشام، ثقة فاضل، مات سنة (٢١٢ هـ)، التقريب (٦٤١٥).
(¬٢) إسناده حسن، فيه عبد اللَّه بن خبيق وهو الأنطاكي، ذكره ابن أبي حاتم (٥/ ٤٦) ولم يذكر في جرحا ولا تعديلا، وله ترجمة ضافية في الحلية (١٠/ ١٦٨)، ومختصرة في صفة الصفوة (٤/ ٢٨٠)، مداراة الناس (١٠٧ - ١٠٨) رقم (١٣٢).
(¬٣) تفسير ابن كثير (٣/ ٧٥).

الصفحة 1075