كتاب الآثار المروية عن أئمة السلف في العقيدة من خلال كتب ابن أبي الدنيا (اسم الجزء: 3)

رجح قرب أشراط الساعة من بعثة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وليس قرب وقوعها، بدليل طول الزمان من وفاته إلى يومنا هذا، بخلاف الأشراط فقد وقع كثير منها بعد وفاته بقليل، بل كان موته من أشراطها (¬١)، والذي يظهر لي واللَّه أعلم أن قرب أشراطها من قربها، ولا تضر هذه المدة الطويلة من بعثة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لأنه بالنسبة إلى ما سبق كالمهمل.
وكونها لا تقوم إلا على شرار الناس: فقد ثبت في السنة ما يدل على ذلك، لكن ثبت أيضا ما قد يوهم خلافه وهو أن لا تزال طائفة من هذه الأمة على الحق ظاهرين إلى قيام الساعة (¬٢)، فكيف تقوم الساعة على شرار الخلق وهؤلاء من خيار الخلق، وقد وفّق العلماء بين هذه النصوص بعدة أوجه؛ فمنهم من حمل لفظ الساعة على ظاهره في كل الأحاديث، وفسّر المراد بقيام الساعة عليهم باختلاف الأماكن والبقاع فتقوم الساعة على شرار الناس في مكان غير المكان الذي تكون فيه الطائفة الظاهرة،
---------------
(¬١) انظر الإذاعة (١٥ - ١٦)، والسنن الواردة في الفتن (٤/ ٧٧٠ - ٧٧١)، قال المحقق المباركفوري: "وهذا الوجه الأخير قد يكون له وجه؛ لأن الواقع يشهد له ويؤيده"، قلت: أما من جهة الدليل الشرعي فلم يعلق على ما استدل به الصنعاني وهو حديث لا يصح لأنه مرسل -كما رجح ابن أبي حاتم- من رواية عبد اللَّه ابن زبيب الجندي ذكر في الصحابة ولم يصح، انظر الإصابة (٥/ ١٨٨)، وأسد الغابة (١/ ٦٠٩).
(¬٢) وهو حديث صحيح أخرجه مسلم برقم (١٧٠) وغيره، وعقد له أبو عمرو الداني بابا في كتابه الفتن (٦/ ٧٣٩) أورد فيه طرقه.

الصفحة 1112