كتاب الآثار المروية عن أئمة السلف في العقيدة من خلال كتب ابن أبي الدنيا (اسم الجزء: 2)

الذي لا مفر منه، أو قضاء الرزق الذي لا تبطؤه البلادة والغفلة، ولا يعجله الذكاء والفطنة، ولا ينقصه عجز الضعيف، ولا يزيده سعى القوي، وإنما كل ذلك بقضاء وقدر، وإذا قدر اللَّه شيئًا هيّأ له أسبابه، وسخر من يدلّه عليك ويدلُّك عليه، وفي هذا المعنى بوَّب البيهقي رحمه اللَّه تعالى بابا في كتابه القضاء والقدر فقال:
"باب ذكر البيان أن القلم لما جرى بما هو كائن كان فيما جرى: {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (١٢١) ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى (١٢٢)} (¬١).
وإذا كان قد قدر وقضي وكتب على آدم عليه السلام قبل أن يخلق أنه يأكل من شجرة ينهى عن أكلها، لم يجد آدم عليه السلام بدا من فعله، ولم يتهيأ له دفعه عن نفسه؛ لأن خلاف ما كتب عليه يوجب خلاف ما علم منه، وخلاف ما أخبر عن كونه، وخبر اللَّه تعالى صدق، وعلمه حق فما علم أنه كائن لا يجوز أن يكون غير كائن، وما أخبر عن كونه فهو كائن في حينه، لا خلف فيه" (¬٢)، وهذا معتقد أهل السنة خلفا عن سلف أن: "ما شاء اللَّه كان وما لم يشأ لم يكن، وهذا كلام أخذته الصحابة عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وأخذه التابعون عنهم، ولم يزل يأخذه الخلف عن السلف من غير نكير، وصار ذلك إجماعا منهم على ذلك" (¬٣).
---------------
(¬١) سورة طه، الآية (١٢١).
(¬٢) القضاء والقدر للبيهقي (. . .).
(¬٣) الاعتقاد للبيهقي (١٦١ - ١٦٢)، وانظر تأويل مختلف الحديث (١٦)، والإبانة (٢/ ٢٨٦).

الصفحة 569