كتاب محمد فوزي فيض الله العلامة الفقيه المربي

المفازة المقفرة الموحشة، يؤنسه بحديثه، ويشد من عزمه، ويشاركه في
مصيبته، ويفتح له باب الأمل، بعونه وحسن تدبيره.
فلما استبد به اليأس، وبلغ منه القنوط أقصاه، واستيقن أنه هالك، إذا
بناقته تعود إليه، كأن الأرض التي ابتلعتها قذفت بها، فوقفت عنده فوق رأسه،
وخطامها قلق بلوح متدلياً، كأنها تقول له: ها أنذا قد عدت إليك، فأمسك
بخطامي.
وما إن بصر الرجل بها حتى انتفض وانتعش كما لو ردَت إليه روحه،
وانبعثت من جديد اَماله، فابتدر خطامها، فأمسكه بكلتا يديه؟ وانطلق ليشكرالله
على هذه الرحمة التي أرسلها من لدنه في هذا الظرف العصيب المهلك، فيؤكد
يقينه، ويقرر عبوديته لرب العالمين؟ لكن فرط الفرحة أذهله، وتعتعته المفاجأة
الخارقة، فجرى على لسانه الكفر، وهو يريد حقيقة الإيمان، حين قال
متلعئماً: "اللهئمَ أنت عبدي وأنا ربك ".
إن فرحة المولى تبارك وتعالى بتوبة عبده، وإنابته مخلصاً إلى منهجه
السوي الحيوي، بعد تخوضه السادر في شعاب الضلال، والإثم الملتوي، لهي
أشد من فرحة هذا الأعرابي بعودة نا قته، التي أنقذت حياته بعودتها إ ليه.
فن التعبير:
أتبع شيخنا شرحه الأدبي العذب الأخاذ بعنوان (فن التعبير) فقال: قام
هذا الحديث الشريف على هذه الصورة الفريدة الأخاذة، التي لا نكاد نعرف لها
نظيراً أو أصلاً في أدبنا العربي، فكانت نموذجاً من الطاقات البيانية الكبرى في
الأدب النبوي.
وصبت الصورة في قصة قصيرة مثيرة، فيها مع ذلك عناصرالقصة:
أ- فيها المقدمة المهيئة المرغبة في المتابعة0
ب - وفيها العقدة المثيرة المحيرة.
121

الصفحة 121