كتاب محمد فوزي فيض الله العلامة الفقيه المربي

المسجد الثاني للشيخ، وهو اوسط مساجده الثلاثة، ومرتع لقائه بالعامة، وهو
وغيره من الشيوخ.
كان المسجد غاضاَ بالمصلين الذين جلسوا إلى الشيخ بعد صلاة الفجر،
يستمعون إليه، ويأخذون عنه العلم، ويرددون الحديث، ويتعلمون احكام
دينهم.
وكان صوت الشيخ يجلجل في القبلية الواسعة الممتدة، وصداه يتردد في
صحن الجامع، فتسمعه وأنت تهئمُ بالدخول. . بدون إذاعة ولا مكبر للصوت 0
رايت الشيخ لأول مرة، وأنا في العاشوة من عمري، فإذا به يملأ فلبي
وعيني وخيالي، ويجذبني إليه فأحبه من أول نظرة، وأتعلق به وأنا غلام كما
اتعلق بالحلوى.
إنه شيخ في الستين، طويل القامة، عريض المنكبين، ذو لحية بيضاء
خالطها بقية من سواد كثهَّ طويلة، وانف اشما، ولون سفرجلي، لا هو بالأسمر
الضارب في السمرة، ولا بالأبيض الشديد البياض، شيء بين ذلك. . بيده
سبحة صفراء طويلة، لا تكاد تفارق يده، وحركة السبحة موصولة بحركة شفتيه
ولسانه، كلما سكت لحظة شغلت كلها بالصلاة على الحبيب المحبوب - ع! د-
فقلت لأبي: من هذا الشيخ يا ابت؟ قال: إنه الشيخ عيسى يابني (1)، استمع
إليه، واستمعت إلى الشيخ ساعة وبعض ساعة، كنت مشدوداَ إلى وجهه،
مدهوشاَ بحديثه الطرب، وإن لم افهمه.
وفي نهاية الدرس، رأيت رجالاَ حملوا مناديل، يطوفون بها على الناس
وهم جلوس، فسمعت صرير ا لدراهم الفضية، ورنين الدنانير ا لذهبية.
فقلت لأبي: ما هذه الفلوس، ولمن تجمعونها؟ قال لي: يابني الشيخ
(1) هو الشيخ عيسى البيانوني - رحمه الله -.
141

الصفحة 141