كتاب محمد فوزي فيض الله العلامة الفقيه المربي

نصارى الحبشة، الذين استولوا على اليمن، وأرادوا أن يحولوا الأنظار عن
الكعبة، إلى كنيسته الباهرة، وجهز جيشه العظيم، يقوده الفيل - ليخرب
الكعبة، فرد الله كيده بالطير الأبابيل، وأبقى صرحه العظيم، الذي جعله مثابة
للناس وأمنأ.
كما حدثت واقعة اخرى قبلأ، لفتت نظر الناس إلى مكانة العرب، فقد
كان النعمان بن المنذر حاكم الحيرة واميرأ عليها من قبل الفرس، كان للنعمان
بنت وضيئة اسمها (حرقة) فخطبها كسرى من ابيها النعمان، وهو أحد ولاته
وعماله فرفض النعمان زواجها من كسرى، ملك الفرس الذي لا يناغى ولا
يغالب، إذ كان العرب ذوي أنفة، لا يرون أحدا يساويهم في الشرف والاعتبار،
وزواجها حتى من كسرى الفارسي، وملك الفرس، يلحق به عاراَ عظيمأ إلى
الأبد.
فما كان من كسرى الجبار المتغطرس إلا أن امر بأن تسوى بالنعمان
الأرض، وبداس بقطيع من الفيلة، وكذلك كان 0
هاتان الحادثتان لفتتا أنظار الكفار من المجوس والنصارى في الشمال
والجنوب إلى العرب المنبوذين في صحرائهم المترامية الأطراف، وعجب
الناس من صلابة موقفهم، واعتزازهم بأنفسهم، وعجبوا من قوة شكيمتهم،
واعتدادهم بشخصيتهم، وهم في جزيرتهم القاحلة، البعيدة كل البعد عما كان
يموج حولهم من الفلسفات الفارسية من (الزرادشتية والمزدكية الإباحية) وكانوا
بعيدين عن الرومان الذين كانوا في صراع ديني دائم مع نصارى الشام ومصر،
ويحإولون إخضاع النصرانية لأغراضهم الاستعمارية. وبعيدين عن اليونان
الذين كانوا غارقين في انظمة كلامية، وانظمة لفظية، لا تغني من الحق شيئأ،
وبعيدين عن الهند التي كانت تتدلى في وديان سحيقة من التدهور الأخلاقي
وا لاجتماعي.
كانت الجزيرة إذن وادعة هادئة بعيدة عن فلسفات الإباحيين، ومطامع
159

الصفحة 159