كتاب محمد تقي العثماني القاضي الفقيه والداعية الرحالة

بداية حياته، ولو قال: "إنه يساوي امة " لم يكن مبالغاَ في قوله، نظراً لما
رزقه الله من علو الشأن في العلم، وسموّ الذكر، وصفاء الباطن، ونفع
العباد والبلاد في أَخرةِ من حياته.
وهو المعين الأكبر الذي نهل منه القاضي محمد تقي العثماني
وعل، فلو كان وراء كل شخصية عظيمة عظيم من العظماء، فذلك العظيم
وراء القاضي محمد تقي العثماني هو والده الفقيه محمد شفيع العثماني
رحمه الله، وصوّر ذلك بقلمه في مقال له كتبه عقب وفاته رحمه اللّه:
" ليست الفاجعة انني حرمت من ظل والدي فقط، ولو كانت المصيبة
مجرد وفاة والد عن ولده لهان الخطب، ولم يبلغ الشجى هذا المبلغ الذي
يثير في الصدر غصصاَ تقلبني على الجمر، لأنه لم يدم ظل والد على ولده
في هذه الدنيا، وقليل من السعداء من لم يطعموا مرارة اليتم، ولكنني لم
احرم ظلاَّ واحداً فقط، وإنما رفعت عني ظلال كثيرة لا أعلم عددها، إنها
ظل والد، وأستاذ، ومرب، ومرشد، وموانس، عرفت قيمة موانسته بعد
موته، كما عرفت حقيقة الحزن وشدة الشجن لأول مرّة في حياتي " (1).
فإذن لم تكن الصلة بينهما صلة ابن بابيه فقط، وإنما كانت صلة
امتدت في جميع مجالات الحياة، ولا سيما مجال العلم، ولقد سمعت
أستاذنا القاضي محمد تقي حفظه الله يقول في بعض دروسه:
"لقد عشت مع فقيه فذّ (يقصد والده) ثلاثين عاماً أتقفب في فقهه
ليلاً ونهاراً".
وهذه الملازمة الممتدة على مدى ثلاثين عاماً مع غاية ولهِ وغرامٍ في
العلم جعلته يتشزَب مشربَ والده العلمي، ويتذ، يئ بذوقه الفقهي،
(1) نقوش رفتكان، ص 67.
16

الصفحة 16