كتاب محمد تقي العثماني القاضي الفقيه والداعية الرحالة

ومن المعلوم أن الاستعمار الغربي خفَف اَثار 5 السيئة في العالم
الإسلامي عامة، وفي شبه القارة الهندية خاصة، فبعدما أنشب أظفاره في
هذ 5 المنطقة، جعل يطارد كل ما يتصل بالإسلام، ونتيجة لذلك تراجعت
العلوم الإسلامية من معترك الحياة الاجتماعية، وانحصرت في زوايا
ومدارس يقوم هنالك المشايخ والعلماء بالمحافظة عليها من أعاصير
الاستعمار الطاغية.
وقبل أن يغادر الاستعمار، استطاع أن ينشئ جيلأ كاملأ تغذّى
بثقافته المادية المتمردة والبعيدة عن التراث الإسلامي كل البعد، وظلَّ
هذا النظام في فترة ما بعد الاستعمار على ما كان عليه من الخطل والخبل،
ومن جانب اخر ظل نظام التعليم الديني، الذي اختاره المشايخ لمواجهة
الأوضاع المفروضة من قبل ا لاستعمار على سيرته ا لأولى.
فأخذ النظامان يسيران في خطين متوازيين لا يلتقيان، فالتعليم
العربي الإسلامي يسير في خط، والتعليم المدني الحديث يسير في خط
اخر، ولم تكن هناك محاولات جدية لتلاقي الخطين، أو ربط بعضهما
ببعض، واستمرت الفجوة بين الفئتين تشمع وتتعمق.
وقد شعر المفكرون من الجانبين ان هذه الفجوة لا تراب إلا بإيجاد
حلقة علمية تجمع بين الثقافة الإسلامية العميقة، ودراسة العلوم العصرية
الدقيقة، فتخرج للناس ما يحتاجون إليه من علم وادب، وفلسفة غذيت
بما للإسلام من عقيدة وثقافة نزيهة، في أسلوب تستأنسه الأبصار والاَذان
المعاصرة، فيها روح الإسلام قوية متينة، وفيها عرض جذاب للمسائل،
ونهج رشيق في الكتابة، وفيها مقارنة شهية بين ما اورثه الأولون وأنتجه
الاخرون.
33

الصفحة 33