كتاب محمد تقي العثماني القاضي الفقيه والداعية الرحالة

وذلك إننا نؤمن جميعأ - والحمد دلّه -بأن هذه الثورة الأمنة ا لإسلامية
التي احدثها رسول الله ع! ي! إنما حدثت باتباع سنته وسيرته عليه السلام في
عبادته وخُلُقه، ومعاملاته، ومعاشرته، وفي سائر نواحي الحياة، ومما
نتفق عليه أيضاًاننا لا يمكن لنا إعادة ذلك الماضي المجيد من العزة
والكرامة، والرفي والازدهار إلا بالرجوع إلى سيرته ء! يِ! مرة أخرى 0
فهذا ما نعتقده جميعاً ونؤمن به، ولكن السؤال المهم ههنا: لماذا
لا نقطف ثمرات هذا الإيمان؟ مع ان الصحابة رضي الله عنهم بلغوا به
ذروة المجد والكمال؟ فإذا درسنا هذا الموضوع في حياة الصحابة رضي
الله عنهم رأينا أن إيمانهم بهذه الحقيقة لم يكن إيماناً عقلياً أو نظريأ
فحسب، وإنما كان إيماناً قلبياً وطبعياً، يعضده حبّهم العميق دئه ولرسوله
ع! ي!، فلم يكن يعجبهم إلا هدي الرسول ع! ي! في حياته ومعاشرته وخُلُقه
وسيرته، وعبادته ومعاملته، حتى وفي صورته وزئه، وكانت ميزة اتباعهم
لسنة الرسول! ييه أنهم لم يخافوا فيه لومة لائم، ولا إنكار منكِر، ولم
يحتفلوا ابداً لسخرية الكفار أو استهزاء الأجانب أو استخفاف المشركين،
بل ثبتوا على السنّة النبوية حباً لهم إياها، واعتقاداً جازماً منهم بأنه لا خير
في غيرها، ولم يتركوها إرضاءً للمشركين، او مداراة للكفار، أو استمالة
لقلوب الأجانب، حتى وفي أشياء نعدها اليوم بسيطة جدأ.
فقد أخرج ابن أبي شيبة وغيره عن إياس بن سلمة عن ابيه في قصة
طويلة أنه لما خرج عثمان بن عفان رضي اللّه عنه رسولاً إلى أهل مكة يوم
الحديبية جاء عسكرَ المشركين، فعبثوا واساؤوا له القول، ثم اجاره
أبان بن سعيد بن العاص ابنُ عمه، وحمله على السرج وردفه، فلما قدم
قال: يا ابن عتم! ما لي أراك متقشعاً؟ أسبل (يعني إزارك)، وكان إزاره إلى
نصف ساقيه، ولا شك انه كان في هذه المشورة بعض المصلحة في
94

الصفحة 94