كتاب سعيد الأفغاني حامل لواء العربية وأستاذ أساتيذتها
" في طبعي هيام بالحرية والصراحة، وكثيراً ما أنكب الطريق الأسلم
في سبيل الجهر بما أرى أنه الحق في العقائد والأشخاص، متحملاً بصبر
وطمأنينة ما أجرّ على نفسي من عناء وعداء. وهذا بلاء حتم لا مفرّ منه لمن
خُلق حرّاً صريحاً، ولو حاول غير ذلك ما استطاع ".
هذه كلمات وصف أستاذي الأفغاني بها نفسه، وهي كلمات تنطبق
عليه حقاً وصدقاً؟ فلقد صحبتُه مدةً تزيدُ على نصف قرن، وعرفته في
حالاته جميعها؟ من سرور وحزن، ورضى وسخط، ويسر وعسر، وسعة
وضيق، وإقامة وسفر. . فإذا هو في جميعها واحد لا يتغير ولا يتبدل،
لا يطغيه نصر أو سرور، ولا يقنطه يأس أو يستبدّ به حزن، إنه الرجل الحز
الصريح في جميع المواقف.
وهذه الصفحات صفحات أكتبها عنه، وقد مضى إلى رحمة ربه،
لا أريد بها مجاملة له، ولا محاباة لحزبه، وقد كان حزباً وحده! ولكم كان
يشكو قلة النصير وخذلان العشير، ثم يمضي منفرداً يعلن رأيه، ومنفرداً
يتخذ موقفه، لا يثنيه عن إعلان الحق الذي يعتقده شيء، ولا يغريه شيء،
ولا يخيفه شيء. .
رحم اللّه أستاذي الأفغاني، فلكم كنتُ أذكر حين أرى ما أدّاه إليه
موقفه وثباته على الحق ما رواه حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: عن سيدنا
رسول اللّه مج! يِ! من قوله: " لا يجدُ امرؤ حلاوة الإيمان في قلبه؟ حتى يُؤثر
الحقَّ حيث يضرُّهُ على الباطل حيثُ ينفعُه".
وهي صفحات أكتبها للتاريخ عن رجلٍ لم يعد يجديه المدح أ و
يضرّه الهجاء، وإنما يؤخذ على كاتبها صدقُه أو عدمه، لأنها شهادة يؤديها
وأمانة يسأل عنها.
الصفحة 7
150