كتاب خير الدين الزركلي المؤرخ الأديب الشاعر صاحب كتاب الأعلام

الكثيرون، من سيرة الملك العربي الهاشمي واخباره، وعاداته وأطواره، هانما
أنا ناقل ما سمعت وما رايت، نقل المحذث لا المؤرخ، والمصور لا الكاتب،
متحرياً إيراد الحقيقة كما هي عارية مجزدة، ولو استطعت لأخذت بيد القارئ
أريه ما وقعت عليه عيناي، وأسمعه ما وعته أُذُناي. على أن الخبر قد يغني عن
الاختيار، وفي الرواية ما يغني عن المشاهدة ".
وختم كتابه الماتع بانطباعاته عن أهل البادية، وعاداتهم وتقاليدهم وما
فيها غرابة وطرافة فقيدها، إن لم تكن للتاريخ فللفكاهة والمسامرة، ولم يرَ
فائدة في التبويب والتنسيق، فأطلق الحديث مرسلاً، وميّز كل خبر بعنوانٍ يدلّ
عليه، وأورد أربعين خبراً منها: الفراسة، قص الأثر، مواكبهم، صبرهم على
الألم، اليد اليمنى، الأوهام، شجعانهم، القضاء، طريقة المحاكمة، ألوان
إبلهم وأ نواعها، بياطرة الهيا م، من أمثالهم.
ومضى في حديثه الشائق عن أدب البادية، ويريد به الشعر المألوف نظمه
عندهم اليوم، وما يتعلق به من معرفة أوزانه وتفسير كلماته، وطُرُق روايته،
وأخبار قائليه، ولكل من هذه الأبحاث شواهد ذكرها الزركلي في مواضعها،
والشعر من حيث هو شعور في النفس يترجم عنه اللسان، فإنه لم يزل مما تحافظ
عليه البادية وتنفرد بالإبداع فيه عن الحواضر، فالشاعرية الفِطرية ما انفكت
تصحب الكئيرين من البداة حتى اليوم.
والزركلي لا يرى ما قد يراه سواه من انتقاص هؤلاء، أو بَخْسهم أدبهم
لشيوع العامية فيهم، أو لاعتمادهم عليها في شعرهم، فما كان - ولن يكون -
من الإنصاف أن نطالب ابن هذه الصحراء القاحلة بالتعبير عما يجيش في صدره
بلغة غير لغته التي تلقَاها عن امه وأبيه وعشيرته وأهليه، فالبدوي الجاهلي قبل
الإسلام والبدوي المعاصر من ابناء هذا العهد سواء من حيث الإفصاح والإبانة
عن كوامن النفس بلغته المعروفة المألوفة، فما كان ذلك بالمتكفف إعراباً غير
إعرابه فنكلف هذا، وما كان ذلك بمتلق عروض الخليل أو نحو سيبويه فنعيب
على هذا اجتنابهما.
169

الصفحة 169