كتاب زكي المحاسبي المربي الأديب والشاعر الناقد

وجاء العصر العباسي فصار اللحن متداولأ وربما ساغ تفكهأ وتظرفاَ
ونُسجت حوله الأخبار، وقل ا! تراث في مقاومته، واشتد في التأليف بقواعده
واثارة الجدل فيها كالذي امتد زمنأ أمره في البصرة والكوفة ثم في بغداد.
ونثأت مدارس للنحو كان عَلَمها الخافق (سِيبَويْه) الفارسيئُ صاحب
(الكتاب) الذي يعد معجزة النحو حتى عصرنا الحاضر. وجاء دور الجاحظ،
وكان حريصأ على الإعراب، ليظهر بيان العرب في كل موطن من تاليفه البنائية
الخالدة. لكنه أحب أن يتظزَف في قضية اللحن ويظهر لقرائه طرفة من طرائفها
فجنح حينأ من قوله إلى استملاح اللحن من النساء يجري على السنتهن دلالأ
محبباَ للرجال، حتى إنَ شاعرأ قال في ذلك:
وحديثٌ ألذُهُ هُوَ مما تشتهيهِ النفوسُ يُوزَنُ وَزْنا
مَنْطِقٌ صائِبٌ وتَلْحَنُ أحيانأ وخَيْرُ الحَدِيْثِ ما كانَ لحْنا
ولقد وقع الجاحظ في خطا الفهم لهذا المعنى، وتلك واحدة من زلاته
المندورة في حياته الفكربة، ف! نه فهم هذين البيتين على ان اللحن خطأُ الإعراب
ولم يكن اللحنُ في البيت الثاني إ لا تعْمِيَةَ المعنى في كلام مُبَطن يجعله لُغزاَ خفيأ
في لفظ ذي معنَيَيْن.
وهذ 5 الطاهرة في شيوع اللحن لدى العرب، لا تشبهها ظاهرة مماثلة لدى
الأمم القديمة والحديثة، فإن اللغة الهيللينية التي كان الشعب الإغريقي يتكلم
بها، ذهبت وبادت، وقامت مقامها اللغة اليونانية التي انسحبت إلى زماننا.
واللاتينية لجأت لتأوي إلى الديارات، وحلت مكانها لغات أوروبية مختلفة في
كل مكان، تاخذ جذورها ومعانيها الأولى من اليونانية كما تأخذها من اللاتينية
ومرت الأمم بتاريخ كلامها دون ان يشب فيها اللحن شبوبه في العربية، وأن
يلفت اهتمام اللغويين كما لفته في دنيا العرب.
وفي اللغات الغربية المعاصرة، سلامة تكاد تكون محمودة في مظاهر
اللحن، فإن رجل الثارع والبدال والخياط يكلمك بلغة مقبولة. ويدلف إليك
128

الصفحة 128