كتاب زكي المحاسبي المربي الأديب والشاعر الناقد

ذوالوظيفة والعامل بلغة مسموعة لا تجد فيها لحناَ ظاهواَ.
ولست أطلق الحكم في الأرياف الغربية، وإن كان شيوع اللحن فيها
محدوداَ، لأن النالس جميعاَ صدروا عن تعلم اللغة في بيوتهم منذ درجوا من
المهود فحفظوا الأناشيد والأغاني المعربة في لغتهم الغربية فشب فتاهم على
لسان قويم، ثم تلقته المدرسة بالتعزيز والسداد في التعبير الأدبي ودرك الفصيح
وقواعد الإعراب وكذلك كان شأن الفتاة.
وحين هبت في عصرنا الحديث مشكلة اللحن واستمرت إلى أيامنا هذه،
دلفت المجامع اللغوية والعلمية إلى جلساتها الطوال ومؤتمراتها المتعاقبة تفكر
في تقويم الألسنة والأقلام باستنباط وسيلة مواتية ناجعة لإبادة اللحن أو وقف
تياره، فراح فريق يقترح تيسير النحو، وعقدت المؤتمرات في هذا السبيل في
البلاد العربية وخاصة في مصر فلم تخرج عن شيء، وأدلى بعض الكتّاب
والمقترحين بطرائق كانت قِدَداً لمثل هذا التيسير، حتى انقلب بعضها إلى
تعسير، وأعمل الفكر والروية اهل المطابع في ضم بعض الحروف إلى بعض
وإلزام الشكل لها ولم يصلوا إلى منتوج سليم.
وهبت في صميم هذه الحركات ومن قبل عهدها فئة في مصر (1) وبعض
البلاد العربية تدعو للكتابة بالأحرف اللاتينية أسوة بما صنع الترك بلغتهم. وفات
هؤلاء أن الترك حين بتروا صلاتهم الروحية العربية بإبادة الكتابة العربية في
بلادهم كانوا قد اَثروا هذا التجديد الخطير لينقلهم من الشرق إلى الغرب
فيصبحوا أمة أوروبية، وتفتح أمام لغتهم مجالات الدنيا. وإ ذا بكتاباتهم ا للاتينية
تظل محصورة في بلادهم، منطوية على نفسها كطائر مقصوص الجناح،
وأصبح الترك مبتوتة صلتهم بالشرق والغرب معاَ، فلا هم بلغوا دنيا الغرب، ولا
أبقوا على شرقيتهم في الكتابة العربية، كل هذه القضايا الروائع قامت قومة
(1)
تولى كبرها عبد الغني فهمي، وهو من رؤوس الأحرار الدستوريين حلفاء
بريطانية. (الناشر)
129

الصفحة 129