كتاب زكي المحاسبي المربي الأديب والشاعر الناقد

الفكرية والسياسية يكون أدبها سليماً من الشوائب وتعبير كتابها وشعرائها
ملائماً لمجدها المعاصر.
ومتى تحذَرت القوى السياسية وتضعضعت صولة الحكم وفتر تمكنه ظهر
اثر ذلك في منتوج الفكر وثمار القلم، فجف الفكر وأجدبت الأقلام. وحين
تكون هذه الظاهرة في أدب أية أمة فإن الصناعة اللفظية تبرز من مكانها مثل أدواء
معنوية تصيب الفكر والقلم وتنزل بالأفهام إلى درك وبيل.
ولا نستطيع أن نقول كما لا يقول معنا أحد من النقاد مهما عَنُف بالنقد
وتتبع الزلل في التعبير: إن الكتابة العربية منذ كانت في أثريها المنثور والمنظوم
قد خفمعت للعوامل اللفظية، فالقرآن الكريم يميزه في بيانه الإعجازي العظيم ما
فيه من الجمال اللفظي الذي يخلع على المعاني القدسية رونقاً معجزاَ لا يستطيع
القلم البشري ان يجاريه مهما يبذل من الجهد والتقليد.
كما أن الشعر الجاهلي خضع للجمال اللفظي أيضاً، وكان اللفط ذا تأثير
كبير فيه مع سلامة من الكلفة والتصنيع.
ولقد ظل الميزان معتدلاً بين النثر والشعر في مدى العصر الاموي لا
يستطيع أن يهجم عليه اللفط يشغل أصحابهما بنفسه، حتى دلفت العصور
العباسية، وحذق صنإعة القلم العربي كتاب فارسيون كان في طليعتهم رجلان،
أحدهما أفضل من الاَخر وأبقى خلوداً واحث ذكراً في تاريخ الفكر العربي،
وهما (ابن العميد) الذي سعد بلفاء شاعر العرب الأعظم (ابي الطيب المتنبي)
وقد زاره بأرجان بدعوة ملخة منه، ومدحه فعد المتنبي نفسه أنه يزور فيه
(أرسطا طاليس) و (إسكندر المقدوني) ففال:
من مُبْلُغ الأعراب أئي بَعْدَها جالسْتُ رسطاليسَ والإسكندرا
ورايتُ بَطْلَيْموسَ دارس كتبه مُتَمفقاً متبدياً متحضِّرا
فكان ابن العميد من اكتب أدباء عصره من العرب والعجم، فكان يفتن
136

الصفحة 136