كتاب زكي المحاسبي المربي الأديب والشاعر الناقد

وقد اجتاز المتنبي بالصاحب فدعا 5 إلى مدحه فأجابه شاعرنا العظيم:
"لا امدحك ولو شاطرتني مالك كله لأني لا امدح إلا الملوك " فحقد عليه
الصاحب، والف كتاباَ يعيب به شعر 5 ضاع بين سمع الأرض وبصرها وبقي
المتنبي.
وقد كان الصاحب بن عباد من أكثر اللاعبين بالألفاظ العربية يصدرها
سجعاَ ويعيدها رجوعاَ بتلاعيب بهلوانية تفقدها كل روعة في مؤداها الطبيعي
ويغالبني تعبير يليق به أحتاج إليه من لغة عصرنا فأقول فيه: كان الصاحب بن
عباد بهلواناَ دولياَ في اللعب بالألفاظ.
وقد كان اللعب بالألفاظ عند ابن العميد والصاحب فاتحة عصر التدهور
الإنشائي للتعبير، حتى جاء عصر الانحطاط بزخارفه اللفظية وجمود 5 الفكري
فانقلب التعيير العربي إلى صناعة محضة لاخاضعة لفنون البديع وانواع البلاغات
السمجة والمحسنات المقيتة التي قضت على التعبير العربي (1).
وجاء عصرنا الحديث يجرر ذيول اللعب بالألفاظ حتى استطاع القلم
العربي بعد الحرب الكونية الأولى ثم الثانية أن يشعر بالحرية، وبنفس الراحة من
ربقة السجع والصناعات اللفظية.
وقد نبغ في عصرنا من الكتاب المترسلين من لم يستطيعوا أن يفارقوا
الجمال اللفظي فكانت آثارهم القلمية حلية فنية إذ كانوا يوازنون بين دوام الفكرة
وجمال اللفظ دون ان يكون لأحد منهما على الاخر سلطان يمحو أثر 5 ويذهب
برونقه.
(1)
ولست بعد كل هذا افوت (ابا العلاء المعري) الذي كان شيخاَ كبيراَ من
هذا يصدق على كتاب الدواوين، أما الفقهاء والمحدثون والمفسرون
والمؤرخون والبلدانيون والرحالة فكان أسلوبهم مرسل لا يتقيد بالصناعة
الكلامية. (الناشر)
138

الصفحة 138