كتاب زكي المحاسبي المربي الأديب والشاعر الناقد

عالم في عصر 5. فاستأذن بقراءة هذه المكتبة، فأذن له نوح وما اطلع ابن سينا
على أكثر ما فيها من نوادر الكتب؟ حتى وقعتْ هذ 5 المكتبة بألسنة الحريق،
فتلفت عن اَخرها. واتهم ابن سينا بإحراقها، لينفرد هو بما فيها من المعرفة.
وكما تغيرت طباعه في طلب العلم، فقد تغيرت في صورة هذا الطلب.
صارت إليه الوزارة، وأكرمه شمس الدولة صاحب الري ثم علاء الدولة. وسأل
هذا الأمير فيه خواصه فمدحو 5 له وأكبرو 5. وكان للإمام (عمر الخيام) الشاعِر
الفلكي يد في محمدته. فقد سأل (علاء الدولة) الخيام: " ما تقول في اعتراضات
الحكيم (أبي البركات بن ملكان) على كلام ابن سينا".
فقال عمر الخيام: "أبو البركات ليست له رتبة الإدراك لكلام ابن سينا
فكيف تكون له رتبة الاعتراض ".
قلت: لقد تغيرت حال ابن سينا أواخر شبابه وفي اكتهاله، واصابته فتنة،
فسجن شهوراً، وخرج من السجن على نقيض (فيرلين) الذي دخل السجن
ملحداً فخرج مؤمناً. وألج على الفيلسوف حب الجسد بعد حب العقل؟ فأودى
به الأمران، وغاله الخصمان. لقد مرض فداوى نفسه، ودس له غلمانه في
الدواء ما زاد بالداء؟ فلما علم انه هالك، ترك التداوي؟ ونهض من سقامه
متحاملاً، فاغتسل وتاب؟ وجمع غلمانه وعبيد 5 فمنحهم الحرية، واستغفر الله
من ظلم جناه، ومات لا له ولا عليه.
لقد لبتُ على اثار 5، ولم يكن شيء أحمث إليئَ من فلسفته الروحية، كان
عالماً بسيكولوجياً من الطراز الأعلى قبل أن تكون البسيكولوجية في أوروبة،
وكان نفسياً فأحب العالم الروحي من خلال النفس الإنسانية، فأكب يسأل علومه
عن حقيقة النفس ويحار في هيولاها. تكلم كثيراً في كتاب (الشفاء) وفي رسالته
إلى (نوح) عن النفس في إ ثباتها وتحديدها، ووجودها وخلودها. وساءل كتب
الأوائل عنها. وحاول أن يتعرف بها فأعيا 5 الأمر، لأن النفس تستعصي على
المعرفة.
143

الصفحة 143