كتاب زكي المحاسبي المربي الأديب والشاعر الناقد

ولما عيئَ عن اكتناه حقيقة النفس في علوم الفلسفة والطبيعة، وبلغة النثر
والتخاطب لجا إلى الشعر، وكان شاعراَ له زهديات وصوفيات، فراح يناجي
الروح بلسانها الذي تفهمه؟ ولا تعي سوا 5، فتمثلها حمامة ورقاء، وكان مِثْله
الشعراء يناجون الوُرْق والحمائم؟ فقال (أبو فراس):
أقولُ وقدْ نحاحتْ بقربي حمامة أيا جارتا لو تعلمينَ بحالي
وقال معاصره (المعري):
أبناتِ الهديلِ أسعدْنَ أو عدنَ قليلَ العزاءِ بالإسعادِ
وكذلك أحب ابن سينا أن يتعزى في فهم النفس فجعل الشعر سبيلاً
لمناجاتها، فسمع هُتاف النفس إليه من العلياء، وراها تهبط عليه كفراشة
هفهافة. إنها الحمامة من الورق مدللة متمنعة، فهي مواصلة مهاجرة، ومواتية
متعذرة، يقول فيها في مطلع هذا الشعر:
هبطتْ إليكَ من المحل الأرفعِ ورقاءُ ذاتُ تعزُزٍ وتمثعِ
فكان بهذ 5 القصيدة شاعراً رمزياً من قبل أن تخلق الرمزية في الأدب
الأوروبي على قلم (بودلير) و (إدغار بو) وعلى لسان (بول فاليري).
كذلك يخلد ابن سينا ولا يضير خلود 5 أني اَخذٌ عليه عنفه في النقد، فقد
نقد (الرازي) بأعنف عبارة، وسفه فلاسفة عصر 5، فقال عن الفيلسوف البغدادي
(أبي الفرج الجاثليق): من حق تعنيفه أن يُرد على بائعه ويترك عليه ثمنه،
وتشاجر مع أبي القاسم الكرماني بسبب الفلسفة (1).
!!!
(1) من مقالاته بعنوان الحظات مع الخالدين) التي لم تُنشر.
144

الصفحة 144