كتاب زكي المحاسبي المربي الأديب والشاعر الناقد

5 - لحظة مع الكاتب أبي حيان التوحيدي
عجباً، ما كان زئهُ في حياته؟ لقد وصفوه بأنْ كان صوفياً، وكان لباس
الصوفية في عصره طرطوراً مُعَفَماً يغوص فيه الراس، وجبةً ضافية تشتمل على
البدن. وهل الصوفية إلا الفقراء؟ إذن لقد كان أبو حيان التوحيدي فقيراً منذ
نشأته. سكب في (الصداقة والصديق) افانينَ الحوادث من كل ضرب ماتع،
وخبر رائع فيما كان للأصدقاء والمتاَلفين من عافية ومودة والتئام ورحمة. ولعله
كان يتمنى أن يجد هذا المخلوق المفقود الذي يسمونه الصديق.
وقد سألت نفسي فيم يكتب أبو حيانَ للوزير (ابن سعدان) كتاياً في
(الصداقة والصديق) لو لم يكن قد حَرَمَهُ الدهر هذه ا لنعمة، فراح يتحذَث عتها
كجائع يصف للآكلين جمال أصناف الطعام، وحلاوة ضروب الشراب.
بلى لقد كان كذلك هذا الكاتب الفقير، تجهَم له مجتمعه ولا ذنب جناه 0
وكان إلى فقره مقيت المنظر، والناس يحبون الطلاوة في الوجوه والحلاوة في
السمات؟ فراحوا ينْفَضون عن أبي حيان.
وكيف تهئاً أمره فإني موفور العطف عليه متمن أن جمماح لي فأكتبَ عنه
بالتطويل، لعل ما أصنع له يشفي بُرَحاءه بعد كرور السنين 0 وأجدني الآن أدفع
له من هذا الوعد هذه الدفعة الأولى فأتحدث عن نكته الكبرى التى نزلت به،
مُقْتَضاً من فاجعه؟ مُتَحَينهاً من كان السبب في انكساره وانهدامه.
بلى لقد ينكسر الإنسان مثل قصبة أو إناء او ينهدم كجدار. وأقوى الناس
من تحامل بأدوائه فعاش غير مستسلم للنكبات.
لم يجد أبو حيان غير الوراقة سبيلاً لاكتساب خبزه اليومي، والوراقة على
145

الصفحة 145