كتاب زكي المحاسبي المربي الأديب والشاعر الناقد

نحو ما عرفها معاصروه؟ كانت استملاءً للكتب أو نقلاً لها، أو في نسخها على
الرِّقاق والكاغِد.
وينبغي عندي أن يكون أبو حيان بعد أن تمرس بالوِراقة صباه وشبابه
وسلخ من اكتهاله السنين قد حذَق الأدبَ، واستعلى بالكتابة، وعرف فنون
البَيان، ثم أراد أن يتخذ الأدب مكسباً كشأن كل صانع يبدأ أجيرأ، ثم يحور أمر5
إلى سيّد، وينفض عن كاهله صناعة الوِراقة.
كذلك لملم أبو حيان أقلامه، وكفأ دواته، وجمعٍ طروسه، وأبطل
الوِراقة، ليتخذ التكسب بالأدب منالةً، ويجدَ في ذلك رفعة، بعد أن صار إليه
من الأدب الخبرُ النادر، ومن الكتابة الديباجة الفائفة.
وكان في عصر 5 علَمٌ من اعلام العِلم وامير من أمراء الإنشاء، ووزير
خطير قد بسط سلطانه على قطعْ من فارس. فإذا الأدباء وقوف ببابه؟ هاذا
الشعراء ينتجعونه كما ينتجع الَأعرابي الكلأ والماء في مبارك الصحراء. إنه
(الصاحب بن عباد).
وشد أبو حيان الرحال إلى الزفي حيث يكون الصاحب، ولست أدري لعله
استدان مالاً وامشأجر فرساً حتى جاء باب الوزير منتجعاً. وعلم به الوزير؟ لكنه
حجبه أياماً، فلم يأذن له بالمثول، فكان ذلك أولَ صدمة يتلقاها أبو حيان في
سَفْرة أ دبه، وفي سبيل شهرته.
وحين اذِن له الصاحب بالمثول؟ لم يسمح له بمجالسته أو منادمته؟ هانما
نبذ إليه مُجلَّدةً وقال له: انسخها.
فقال ابو حيان:
إنما انتجعتك لغيرِ هذا، وسوق الوراقة رائجة في بغداد.
ثم أطاع ابو حيان تصرُّف قدَره، فقعد ينسخ للصاحب مجلدة كان يتشكى
منها ويقول: لقد كاد نسخُها يأتي على بصري؟ ويفني عمري. وراح بعد حين
146

الصفحة 146