كتاب زكي المحاسبي المربي الأديب والشاعر الناقد

يقص على مؤرخي أدبه ما صنع معه ابن عباد ويصف تنكره له وتجهمه.
واندفع ابو حيان في كتبه يذكر صفات الصاحب، ويخلع عليه النعوت
اللوازمَ لمثله؟ فكان مما قال عنه: إنه " لا يرجع إلى الرقة والرأفة والرحمة،
شديد العقاب، طفيف الثواب، طويل العتاب، بذيء اللسان، سريع الغضب،
حسود، حقود، وحسده وقف على أهل الفضل، وقد قتل خلقاً، وأهلك ناساَ،
ونفى أمة تعنتاً وتجئراً وزهواً".
وعمد أبو حيان إلى إظهار صفات الصاحب الكوامن في دخائل طبعه،
فصوّره كيف كان يسفه رائديه، ويُخزي مادحيه ليحرمهم الجائزة. فكان في
اوقات العيد يممنع شعراً يمدح به نفسه، ثم يدفع هذا الشعر إلى (أبي عيسى
المنجم) ليدخل به عليه والملأ جلوسٌ بحضرته؟ قد أرادهم على ضرب من
الشعر يبغتهم به؟ ليرى سوانح خواطرهم في ساعة البديهة حين يُرْتج عليهم،
وإذا بأبي عيسى المنجم يندفع فيدخل على الصاحب ويخلطُ نفسه بالحاضمرين؟
ويتلمظ وهو يتمتم ويُري القومَ أنه يَقرِض شعراً؟ وإذا هو يستأذنه بإنشاده فيما
طرحَ على الشعراء. وشممعه الصاحبُ فيستجيد شعره، ويستحسن بديهته، ثم
ينيله الجائزة وحده؟ ويغيظ من كان عنده من الشعراء، ويقهرهم قهراً وبيلاً.
وقد وجد أبو حيان أن نقيصة الصاحب سببها الحسد. فكان يجده شديد
الحسد لمن أحسن القول؟ وأجاد اللفظ 0 وكان أبو حيان موصوفاً بهذين، فإن
أسلوبه في كتابة العربية أسلوب من ملك ناصية القول، ولفظه في تعابيره لفظ
من اجاد الانتقاء، وبرع في الأداء. إن له لترسلاً ما عُرِفَ لمثله غير الجاحظ أبي
عثمان. فهو الجاحظ الثاني في كتأب أدبنا العربي. كان لا يتعاظمه باب من
أبواب المقال. فهو يَحشد التعبير، حَشْد المغير 0 نادم ا لليالي بأحاديث الادب
وأخبار المثقفين في عصره الوزير (ابن العارض). وكتب مطارحات هذه الليالي
لصديقه (ابي الوفاء المهندس)، وأعطى أدبنا العربي من رصين الكتابة أنقى
ديباجةٍ، وأروق أ ساليب النثر.
147

الصفحة 147