كتاب زكي المحاسبي المربي الأديب والشاعر الناقد

لقد عاش فقيراً فلم يفز في حياته بشهرة مطبقة كالتي كانت للجاحظ؟ فإن
الجاحظ قد عُرض عليه الديوان، ومن عرض عليه الديوان فقد أصبح وزيراَ.
فأبى ذلك واعتذر. وعاش مَطلوباً عند الخلفاء، مَخطوب الأدب للوزراء
والقضاة.
وأما ابو حيان فقد لزمه ما لزم الفقراء في كل دهر من سوء الكَيْلَة وتجهم
الوجوه.
ولست أجد في إدبنا العربي كله وفي اَداب الأمم من انتقم من العلم
والأدب مثلما انتقم ابو حيان، إنه جمع كتبه في آخر حياته، الكتب التي لم يكن
قد أطلع عليها الناس؟ وأحرقها بمسوداتها وكراريسها. لقد احرقها ضنأ بها على
من لا يعرف قدْرها بعد موته، فقامت عليه قيامة الأدباء ولاموه، فكتب إلى
واحدهم وهو القاضي (أبي سهل) يفول:
". . . والتهب في صدرك من الخبر الذي انمي إليك فيما كان من إحراق
كتبي النفيسة بالنار؟ وغسلها بالماء، فعجبت من انزواء وجه العذر عنك في
ذلك!.
كذلك فعل الكاتب الخالد أبو حيان، ومات في آخر المئة الرابعة للهجرة،
بعد عيشة مملوءة بالضنك ونكران الجميل، وقد زاد في بلائه ان كان من معاصريه
مَنْ يتهمه بالزندقة، وهو الذي صنف للصوفية (الإشارات الإلهية) (1). .
***
(1) من مجموعة مقالاته (مع الخالدين) التي لم تنشر.

الصفحة 148