كتاب ناصر الدين الأسد العالم المفكر والأديب الشاعر

ولا اعتسف الطريق من أمامي اعتسافاً. بل لعل من الصواب أن اذكر أني حين
دخلت في الموضوع، لم يكد يحفزني إلأَ الموضوع نفسه، ولم يكن نصب عينيئَ
غاية بذلك اتوخاها، وأرمي إلى إقامة الدليل عليها غير الغاية المجزدة التي
سينتهي إليها البحث الموضوعي وحد 5، فقد كان قلبي مع هذا الشعر حين كنت
أقر%ه، وكان عقلي عليه حين كنت أقرأ عنه، فأردت أن أصل إلى يقين يجتمع
عنده اقتناع العقل واطمئنان القلب معاَ، ولم يكن امامي سبيلٌ لذلك إلأَ أن اَخذ
نفسي بتحزي المنهج العلمي الدقيق، والتزام حدوده التزاماً لا ترخص فيه)) (1).
فالنصوص وحدها - في نظره - هي التي توخه البحث، وهي التي ترسم
سبيله، وتجعله ينحو هذا المنحى أو ذاك، فيقول في مقدمة كتابه (مصادر الشعر
الجاهلي): "أرجو ألا أبعد عن الحق حين اقول: إن كل رأي في هذا الكتاب قد
قامت من بين يديه وَفْرة من النصوص قادت إليه وانتهت به، وأن النص هو الذي
وخه البحث إلى ما فيه من اَراء، وليست الاَراء هي التي وخهت البحث إلى
النصوص: يجتلبها، ويفتنصها، ويستكثر منها، ويقسرها قسراً لما يريد" (2).
2 - استقصاء المادة: وهذا المنهج وثيق الصلة بالموضوعية. ويستلزم
الجمع المستقصي لمادة البحث ونصوصه. ففي كتابه (القيان والغناء) رجع إلى
كتب الأغاني والموسيقا، وكتب التاريخ العامة والسير والطبقات والرجال
والجغرافية، وكتب الأدب واللغة، ودواوين الشعراء الجاهليين، وكتب
المستشرقين الإنكليز.
أما مصادره الكثيرة في هذا الكتاب، فلم يسجل منها في ثبت المصادر إلأَ
اقلها، ويقول: "فما أكثر ما قرأت ثم طويت من غير أن أستقي منه حرفاً لهذا
البحث، وما أكثر ما قرأت ثم طويت، ولم أخرج منه إلأَ بفكرة عامة تتصل من
بعيد بالموضوع اتصالاً قد يلمس جَنَباته وحِفَافَيْه، ولكنه لا يعدوها، ثم ما أكثر
(1)
(2)
مصادر ا لشعر ا لجاهلي، ص 7.
المصدر ا لسا بق، ص 8.
22

الصفحة 22