كتاب ناصر الدين الأسد العالم المفكر والأديب الشاعر

فيها، وكشفه لأسرار بيانها، جعله قادراَ على صياغة عبارات وجيزة دقيقة
المعنى، لا تكلُف فيها، تنطلق بسلاسة ويُسر.
وحين يرتجل خطابه يأتي كلامه دقيقاَ وجلئاَ ومترابطاَ، شأن أدبه
المكتوب، فقريحته تستجيب له، وغائمته تدزُ عليه، سواء أكان يعئر عن
خلجات نفسه، أم يبحث في التراث، أم يعالج قضية معاصرة.
ولا أغالي إذا قلت أني لم أسمع - على كثرة ما سمعت - من هو افصج
نطقاَ منه، ومن يتكفم الفصحى دون تكقف أفضل منه، فإذا اردنا أن تحون
الفصحى لغة يومية نستعملها فعلينا التعلُم من تلقائيته في حديثه.
وكم كنت استمتع بكلماته العذبة تنهال على شفتيه في يُسر وسهولة.
ويقول الدكتور نهاد الموسى في ناصرالدين الأسد: " لا يقع ما يقع فيه مَن
يتكففون استعمال الفصحى في خطاب المشإفهة، ذلك انهم يجهدون - ويظهر
عليهم اثر الجهد- في استحضار قواعد العربية الصحيحة من جهة، وتبليغ
الفكرة من جهة أخرى، وربما شغلهم ذلك عن تلقائية الأداء، وحضور البديهة
في التواصل إرسالاَ واستقبالاَ، اما هو فلا.
إن له في خطاب المشإفهة مَزِيه ظاهرة في ان مبنى العبارة على مقاييس
العربية الفصيحة عند 5 لا ينفك عن معناها على مقتضى الفكرة التي يُزجيها،
فالمبنى والمعنى يَنْدَغمان لديه في تلقائية، وتنقاد له العبارة مُواتيةَ، ويُرسلها
بطواعية.
لىذا كانت الفصحى - لدى من يتكفَفونها - في خطاب المشإفهة نموذجاَ
لغوياَ متجفماَ صارماَ وعنواناَ للجد فإنها عنده لغة للجد والهزل جميعاَ. إ ن
إطلاق بعض النكتة بالفصحى دليل عافية وحيوية لغوية، كما أن بعض الضحاك
دليل عافية وحيوية صحية نفسية " (1).
(1)
ناصر الدين ا لأسد بين ا لتراث والمعاصرة، صه 6 - 6 6.
30

الصفحة 30