كتاب ناصر الدين الأسد العالم المفكر والأديب الشاعر

الأوروبية للديوان وعليها كثير من التعليقات والتخريجات التي دؤَنها بخطه على
هوامشها ثم اباح لي مكتبته الزاخرة بكتبِ مطبوعة ومخطوطة كان يتعذر عليئَ
الرجوعُ إلى بعضها لو لم يبذلها لي. فإنْ كنت عاجزاً عن بيان فضله كله، وعن
شكره الشكرَ الذي ينبغي له، فإني أسأل الله ان يجزيه عني خير الجزاء " (1).
أما محمود محمد شاكر رحمه الله، فيراه ناصر الدين الأسد أُمةً وحده في
معرفة التراث وعلوم العربية، خُتمت به طبقة من العلماء الأفذاذ، بدأت بشيخه
سيد بن علي المرصفي صاحب (رغبة الاَمل) و (أسرار الحماسة).
ويرى أن علمه لا يقتصر على هذا الضبط والتمحيص، والتدقيق فيما
يحقق، ويشرح من كتب التراث، حتى أصبح الغاية في الضبط، والمثال الذي
يحتذى في التمحيص والتدقيق، ولا على هذه الشروح والتخريجات التي تملأ
حواشي تلك الكتب، بحيث تكاد تزيد احياناَ على متن الكتاب نفسه، ولا على
تلك الاستطرادات التي تتمثلَ في تعليقاته المفيدة، حتى أن القارئ ليحس
- لاستمتاعه واستفادته - أن هذه الاستطرادات ألصق بالموضوع، وأدخل فيه
من أن تُعد استطراداَ.
ولا يقتصر علمه كذلك على ذاكرته العجيبة التي دزَبها فلا تكاد تخذله،
لطول إلفه ومعايشته لأمهات المصادر ونوادرها من مطبوع ومخطوط، ولا على
هذه الإشارات التي دأب على تقييدها في هوامش الكتب في خزانته العامرة بكل
نفيس، يربط الكتب بعضها ببعض حتى أنه ليفتج كتاباً في قضية بعينها، فيرى في
الهامش مواضع ورود هذه القضية في الكتب الأخرى، فاصبح بذلك كل كتاب
من كتبه دليلاَ يقود إ لى الكتب الأخرى، ومرشداً يدل على غيره.
ولا على هذا الشعر الذي كان ينظمه ويطرف مَن حوله بسماعه حيناً بعد
حين، فتحسب أنك تسمع شعر فحل من فحول العربية القدامى، على ما فيه من
(1) مقدمة تحفيقه (ديوان قيس بن الخطيم)، صا 3.
36

الصفحة 36