كتاب محمد الطاهر ابن عاشور علامة الفقه وأصوله والتفسير وعلومه

عصر ابن عاشور:
كان عصر الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور عصر اضطرابات وفتن؟
إذ كانت البلاد التونسية ترزح تحت وطأة الديون الخارجية، وعئمَ فيها
العبث والفساد والارتشاء والمكوس، وجمع ضعف نفوذ الخلافة العثمانية
التي انحفت إلى دويلات هزيلة، توغل الأجنبي، وعتمَ الاضطراب
الاجتماعيئ، واختل الأمن، وتنازع الأمراء على السلطة، وبدأت أطماع
الاستعمار في البلاد التونسية ظاهرة للعيان، منها: التدخّل في الشؤون
الداخلية للدولة بدعوى حماية الرعايا ا لأجانب من اليهود وغيرهم، ومنها:
وضع الميزانية التونسية تحت الرقابة الأجنبئة لضمان حُسن التصزف.
لذلك لم يكن احتلال فرنسة لتونس عام (298 اهـ- 881 ام)
مفاجاة للمشتغلين بالسياسة الدولية، وقد وجدت فرنسة ذريعة لذلك في
المناوشات على الحدود التونسية الجزائرية، فاحتل جيشها مدينة الكاف،
وتابع سيره نحو العاصمة، كما احتقت قوّة بحريّة أخرى بنزرت، وحُوصر
قصر الباي محمد الصادق بضاحية باردو وأرغمته على توقيع معاهدة
باردو (12 جمادى الاَخرة 298 اهـ- 12 ايار 881 ام)، ثم اجبرت
الباي الذي فقد سلطاته الفعلية لصالح المقيم العام الفرنسي (كامبون)
على توقيع معاهدة جديدة باسم معاهدة المرسى الكبير (300 اهـ=
883 ام)، وفيها تئمَ فرض الحماية على تونس، وبدأت فرنسة تديرها
مباشرة، وأبفت على هيكل الدولة والعائلة المالكة بها، لكنها سلبت منها
سيادتها الخارجية، ونضَبتْ لدى الباي وزيراً مفوّضاً ومقيماً عاماً فرنسيّاً
للإشراف على تطبيق بنود المعاهدة، وبدأت بذلك حركة المقاومة
التونسية للغزو الفرنسي منذ بداية دخول عساكره من الجزائر، فحدثت بين
القبائل وجيش الغزو عدة معارك، بل إن المقاومة ضد الاستعمار الفرنسي
اتّخذت صفة المقاومة الشعبية، حتى كان الجنود الصغار يفزون من
صفوفه ويلتحفون بالمقاومة الشعبية.
18

الصفحة 18