"انتابني عْئم وأنا اقرأ قصائدَ الحافط ابن حجر في مدح السلطان الملك
الأشرف، ومدحِ ابنه الناصر أحمد بن الأشرف، وقلتُ في نفسي: ما كان
ينبغي لهذا العالم الشهير ان يمدح ملكاَ من الملوك، مهما عَلَتْ رتبتُه
وسمَتْ مكانتُه، من أجل ما اعطاه من بر وصلة، بهذا المستوى من الثناء
والمدح؟ لأنَّ رتبةَ العلم أعظم شانأ، وارفع منزلةً من مقام الملك أ و
السلطان. والأعجب من ذلك انَ الحافظ ابن حجر حينما ترجم لممدوحه
الملك الناصر احمد بن الأشرف إسماعيل في كتابه (إنباء الغمر) (1) وصفه
بعد وفاته بقوله: (وكان فاجرأ جائرام " (2).
وهذا المنهج الذي اعتقده صاحب الترجمة، وارتضاه لنفسه، هو
المنهج الحق الذي ينبغي أن يسيرَ عليه كل مؤرِّخ مؤتَمَنٍ على تسجيل
تاريخ امته بأمانة وصدق، رغم أنه قد لا يروق للبعض من الناس ذكر
الحقيقة كما هي، وقد يخلقُ للمؤزَخ اعداء كُثرْاً، كما حدث مع صاحب
الترجمة؟ فعندما ذكرتُ له ان كتابه (هجر العلم ومعاقله في اليمن) رغم
انه لاقى استحسانأ منقطع النظير من جُلّ مَنْ قرأه أو اطلع عليه، إلا أنه
قُوبل باستهجان بعضهم، بل واستيائهم، قال لي: " أسباب ذلك تحرِّي
الحقيقة، وذِكر ما لبعض الحكَام من هنات ومن حسنات، فالحسنات هذه
تدغدغ عواطفهم، ولكن ذكرَ الهناتِ تُزعِجُهم، ويريدون أن يكون
الكتاب كفه قاصراً على الثناء والمدح فقط ".
وقد طبَّق هذا المنهجَ على كل من ترجمَ له، حتى لو كان أقربَ
الناس إليه، فذكر محاسنهم ومثالبهم، فهذا ابن أسرته فضل بن علي بن
عبد الله الأكوع يترجِمُ له في كتاب (تاريخ أعلام آل الأكوع)، فيقول:
(1)
(2)
إنباء الغمر: 8/ 9 4.
المصدر ا لسا بق، ص 36 - 37.
102