ذكراً، وأبعدها صيتاً، وأغزرها ثراء، وأوسعها كرماً وإنفاقاً هي الدولة
الرسولية، والتي كان عصرها اخصب عصور اليمن ازدهاراً بالمعارف
المتنوَعة، وأكثرها إشراقأ بالفنون اليانعة في شتى ميادين المعرفة، وذلك
لأن سلاطين هذه الدولة وملوكها كانوا علماء، فاهتمُّوا بنشر العلم في
ربوع اليمن على نطاق واسع، فبنوا المدارس ودور العلم، في داخل
اليمن وخارجه، واستقدموا العلماء في شتى فنون المعارف والعلوم.
وسار على نهجهم نساؤهم ووزراؤهم وأمراؤهم ومواليهم
وإماؤهم، حتى صار تشييد المدارس سمة واضحة من سمات عصر الدولة
الرسولية، بل إن سلاطين هذه الدولة وملوكها قد أثَفوا كثيراَ من الكتب،
او ساهموا في تأليفها؟ مثل السلطان المظفر، والسلطان المجاهد علي بن
المؤيد بن داود بن يوسف، والسلطان الأفضل العباس بن علي بن داود،
الذي الف كتابه (القاموس) الذي احتوى على ما يقرب من (0 0 12) كلمة
يتعلق اكثرها بفن الطبخ والملابس وعلم الفروسية والصحة وعلم
التشريج، مدؤَناً باللغة العربية التي وضعت كلماتُها في العمود الأول،
وبجوار كل كلمة منها ترجمتها إلى اللغات الفارسية والتركية والإغريقية
والبيزنطية القديمة والصقلية والأرمنية والمغولية في أعمدة موازية لها.
وبعد مقدمة استغرقت قرابة (18) صفحة تحدَّث فيها المؤلف عن
عظمة هذه الدولة وما قامت به من إنجازات، أسهب الحديث عن بدء
ظهورها وذكر اسباب بقائها وعوامل نهضتها.
ويذكر نسبة اَل رسول، فيقول (ص 9 1): إن الصحيح في ذلك أنهم
كراد كالأيوبيين، وان من لا يعرفهم، نسبهم إلى قبيلة غسان، ونسبهم
من عرفهم إلى التركمان. ومع ذلك فقد انصهروا في الشعب اليمني كما
انصهر الفرس، الذين جاؤوا إلى اليمن لمساعدة سيف بن ذي يزن، وكما
انصهر الأكراد الذين جاؤوا مع الدولة الأيوبية.
137