وابقوْها على ما كانت عليه من دون أن يمسوها بسوء، وذلك لسماحة
الإسلام إزاء تراث غير المسلمين باعتبار اثه تراثٌ ثقافي ديني لشعوبٍ
وأمم متعددة الأجناس وا لأديان، على الرغم مما يوجد في تلك الحضارات
من رموز وثنية تتنافى مع عقيدة الإسلام، كالتماثيل البشرية والحيوانية التي
كان بعضها يعبد من دون الله؟ إذ لم يِر المسلمون في بقاء تلك الحضارات
الظاهرة للعيان على وجه الأرض ضيْراً على عقيدة التوحيد عندهم التي
تشهد بأن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ما دامت هذه العقيدة التي
رسخت في قلوبهم، وانهم لا يبغون عنها حِوَلاً.
لذلك فقد كانوا مطمئنين على ثبات عفيدتهم، فانطلقوا يُشيِّدون
حضارتهم الإسلامية في ديارهم المترامية الأطراف التي امتدت شمالاً إلى
اواسط اَسية وإلى دول البلفان، وامتدت جنوبأ إلى الأطراف الجنوبية
لجزيرة العرب، وشرقاً إلى الهند والسند حتى بلغت جدار الصين، وغرباً
إلى المغرب الأقصى، وانتقلت إلى العدْوة الأخرى من اوروبة في شبه
جزيرة إيبرية، حيث قامت الحضارة الأموية في الأندلس الشاهدة لبُناتِها
بالإبداع في فنون متعددة، فكانت مصدرَ إشعاع لتبديد الظلام الذي كانت
أوروبة غارقة فيه، فأنارت لهم طرق العلم والمعرفة، وامتدت الحضارة
كذلك جنوباً إلى ا واسط إفريفية.
هكذا عاشت تلك الحضارات القديمة إلى جوار الحضارة
الإسلامية جنباً إلى جنب في سلام ووئام، وذلك من قبيل "لا ضررَ ولا
ضِرار".
ولهذا فقد كان من المستنكر ما أقدمت عليه حركة طالبان بعد أ ن
شمل نفوذها في اخر سِنيِّ حكمها على أفغانستان إقليم باميان من تدمير
تماثيل بوذا العملاقة في هذا الإقليم، مما أثار مشاعر السخط لدى الرأي
العام في العالم، ضاربة عرض الحائط برجاء ومناشدة كثير من قادة الفكر
94