كتاب عبد الله بن الصديق الغماري الحافظ الناقد

كثيراَ، وأُلخُ في مناقشته فشَع صدره ولا يضيق بي، وبالجملة استفدت كثيراً
من إفاداته لمارشاداته وتوجيهاته، رضي الله عنه، وجزاه عني أفضل ما جزى
والداَ عن ولده.
وكان والده ينوَّه بفضله وعلمه بين أصدقائه، ويصفه بحُسن الفهم،
وجودة المعرفة، وكان السيد عبد الله يطلب منه الإذن بالسفر إلى مصر فيجيبه:
ستذهب إلى مصر إن شاء الله، ولكني أحبك أن تذهب عالماَ يحتاج إليك علماء
الأزهر، قال السيد عبد الله (1): "وكنت أظن أنه يقول ذلك على سبيل التصبير
والتشجيع، وظهر فيما بعد أنه كان يقول الحقيقة، فقد احتاج إليئَ علماء
الأزهر. . . ".
ولقَنه والده وِردَ الطريقة الشاذلية، كما تلفَن هو من قبلُ، وقال له مرةً في
بعض خطاباته: أنت فقيه محدَّث صوفي.
لماذا علمنا أن حياة والده كانت وقفاَ لتربية السالكين، وتهذيب المقبلين،
ووعظ الغافلين، والجهر بالأذكار والأوراد صباح مساء في رحاب الزاوية التي
ابتناها، إلى جانب حلقات العلم والدرس لعلوم اللغة والشريعة المتعاقبة فيها،
ولكلَّ يوم درس معين، وكتاب معين في علم محدد من علوم اللغة، والسنَة
والتفسير والفقه، والسيرة والتصؤُف والمنطق، علمنا مدى رسوخ السيد عبد الله
في العلم والسلوك وهو في ريعان شبابه ومقتبل عمره.
3 - الرحلة الى القاهرة وبُعْدُها العلمي:
وكانت نفسه الطلَعَة تتوق بلهف وشغف إلى رحاب الأزهر الشريف،
وعلمائه الكبار، وحلقاته المتنوعة، وأعلامه الراسخين، وحلقاته الكثيرة من
الطلاب المقيمين والواردين، فحقق الله له ذلك صحبة شفيقيه الاكبر السيد
أحمد، والأصغر السيد الزمزمي في شعبان سنة (349 اهـ)، يقول: وقبل
__________
(1) ا لمصدر ا لسا بق، ص 3 2.
14

الصفحة 14