كتاب عبد الله بن الصديق الغماري الحافظ الناقد

لقد كان رحمة الله عليه رضيئَ الخلق، سمج النفس، كريماَ، محباً
للطلبة، مشخعاَ للعلم، واذكر اني عندما ألقيت درساَ في الدروس الحسنية التي
يُستدعى لها كبار العلماء، كان أول من اتَّصل بي هاتفياَ من طنجة، وشجَّعني
واثنى عليئَ وعلى ما ألقيته، وأنا يومئذ الشاب الناشئ المغمور، الذي لُزَّ بين
فحول كبار في ساحة يترأسها جلالة الملك، ويحضرها كبار رجال الدولة على
اصنافهم، والسلك الدبلوماسي الإسلامي، وصفوة العلماء في المغرب.
وكان رحمه الله تعالى لا يضيق بسؤال، ولا يتذمَّر من القراءة عليه أ و
مدارسة العلم بفنونه في كل ظروفه، وأحواله في حضر 5 أو سفره، وقد سافرتُ
معه مرة إلى منطقة (زعير)، ونزلنا في الزاوية هناك عام (973 ام)، وحملت
معي (صحيح البخاري) فكنتُ أقرأ عليه صباحَ مساء، وكنت أُكثر عليه طئب اللّه
ثراه، فلم ارَ منه إ لا الاستحسان والتشجيع والمودة، مع شدة الحرارة، وصعوبة
الجو الصائف، حتى اعتراني المٌ شديد، فأمرني بالرجوع إ لى (سلا) حيث كنت
اسكن.
لقد عاش في المغرب بعد عودته من مصر نحواَ من ثلاث وعشرين سنة
مكرَماَ محبوباَ، صبوراَ على ما الئمَ به من محنة ظاهرة، ذكرها بنفسه، ونقلناها
عنه فيما تقذَم، وأمور اخرى كان لا يطلع عليها احداَ، إلا خاصة الخاصة،
وكانت صِلاتُه مع جميع الأنحاء من العلماء وطلاب العلم، ومحبيه بالرسائل،
متوددين سائلين، او قاصدين له زائرين محبين مقدرين.
وكان يتنقل احياناَ في المدن المغربية مثل القصر الكبير، وفاس،
والرباط، وسلا، والقنيطرة، وتطوان، ويزور محبيه وطلابه، فكان يلقى على
الدوام التجفَة والاحترام، ويكون حلوله في مدينة ما منتدَى علمياً يقصده
عارفوه، فيلقون عليه المسائل العويصة، والمشاكل العلمية الثقيلة، فيصدرون
عنه بعلم ثز غزير، وأجوبة ممحصة ناضجة، لا تعضُب فيها لرأي، ولا إزراء
على مخالف.
28

الصفحة 28