ويقول في (سورة المسد): ولما بشَر الله نبيه في السورة السابقة - النصر-
بنصر 5 ونشر دينه، ناسب أن يبشِّره هنا بهلاك عدوين عنيدين من أشد أعدائه
طالما قاسى من إيذائهما وسبهما، ولهذا افرد الله هذ 5 السورة للبشارة بهلاكهما
وخسرانهما إكراماً لنبيه وانتقاماً له من اعدائه.
ثم ختم هذا البحث الرائق، والكتاب الفائق، بخاتمة فيها مسألتان:
الأولى: في فوانح السور فقال: قال أهل البيان: من البلاغة حُسن
الابتداء، وهو أن يتأنق في أول الكلام، لأنه اول ما يقرع السمع، فإن كان محرَّرإً
أقبل السامع على الكلام ووعا 5، وإلا أعرض عنه، ولو كان الباقي في نهاية
الحُسن، فينبغي أن يُؤتى بأعذب لفظ واجزله، وأرقه وأسْلَسِهِ، واحسنه نظماً
وسبكاً، وأصحه معنى وأوضحه، وأخلا 5 من التعقيد والتقديم والتأخير الملبس
أو الذي لا يناسب.
قالوا: وقد اتت جميع فواتج السور على أحسن الوجو 5، وأبلغها
وأكملها، كالتحميدات وحروف الهجاء والنداء وغير ذلك.
والثانية: في خواتم السور، وهي مثل الفواتح في الحُسن، لأنها آخر ما
يقرع السمع، ولهذا جاءت متضمنة للمعاني البديعة مع إيذان السامع بانتهاء
الكلام حتى لا يبقى معه للنفوس تشؤُف إلى ما يذكر بعد 5، لأنها بين أدعية
ووصايا وفرائض، وتحميد وتهليل ومواعظ، ووعد ووعيد، إ لى غير ذلك.
ثم ألحق ذلك بتتميم، قال في مطلعه:
علمت مما مزَ في الكتاب ومقدمته: أن آيات القراَن الكريم وسوره تتَسق
في تناسق عجيب، ويرتبط بعضها مع بعض في تاَلف بديع غريب، بحيث لو
وُضعت آية مكان غيرها، او سورة في غير موضعها، اختلَّ الاتساق والتناسب،
وتفكَك الارتباط والتآلف، وهذا مما اختص به القراَن العظيم، وكان وجهاً من
وجو 5 إعجاز 5 المتعددة، فينبغي لتاليه أن يراعي هذا المعنى في تلاوته، فلا
ينتقل من سورة إلى تاليتها حتى يتمها.
84