كتاب محمد أبو زهرة إمام الفقهاء المعاصرين والمدافع الجرئ عن حقائق الدين
الكبر، وكنت أشعر وأنا في المكتب بأمرين ظهرا في حياتي فيما بعد. الأمر
الأول: اعتزازي بفكري ونفسي حتى يقال عني إني طفل عنيد، والأمر الثاني:
اني كنت اتضايق من السيطرة، ولعل الأمرين متلازمان؟ لا! الاعتزاز بالنفس
يتوئَد عنها بعض السيطرة، ولما أخذت اشدو في طلب العلم، وأنا في سن
المراهقة دخلت المعهد الأحمدي (بطنطا) فطهر في طبيعتي امر أحسسته،
ولعلَه من مظاهر النزعتين السابقتين، وهو اني كنت افكر لِمَ يوجد الملوك،
وبأي حق يستعبد الملوك الناس، فكان كبر العلماء عندي بمقدار عدم خضوعهم
لسيطرة الخديوي الذي كان أمير مصر في ذلك الوقت. وكبر في نظري عالم
كبير؟ قال للخديوي، وقد اخذ يطلع على اسئلة المنطق التي وضعها ذلك الشيخ
لطلبة المعهد السكندري، فقال للخديوي: وماذا تعرف من علم المنطق؟ قال
شيخ ا لمعهد: أ تشتم ا لخد يوي؟ فكبر ذلك ا لشيخ في نظري، واهتززت با لإعجاب
به، حتى كنت إذا رأيته اهتزت نفسي بالإعجاب. واستمر ذلك الشيخ له الحطوة
العليا في تقدير طالب علم مثلي حتى رأيته يتملق ويصبح من رجال احمد فؤإد
سلطا ن مصر، فذهبت كل روعة له عندي، وا نتقلت من ا لنقيض! لى ا لنقيض " (1).
فإذا كان لكل شخصية مفتاح -كما بئن صاحب العبقريات عباس محمود
العقاد - ف! ن مفتاح شخصية الشيخ أبو زهرة هو الاعتزاز بالنفس، وبما يحمل من
فكر ورأي، وما يتولد عن ذلك من بغض للسيطرة، وحب للحرية، واهتزاز
قلبه للحُر الرشيد، حتى إنه كتب عدة مقالات في هذا الصدد منها: (الإسلام
الحر الرشيد) جاء فيه: "حرر الإسلام الإنسان في عقله وفكره ونفسه،
وشخصه هارادته، فصار يفكر حرأ، ولا يعمل إلا بحرية من غير انطلاق وبلا
تقييد إلا ما يكون في القيد حماية لغيره، وحريته، حتى لا يكون منطلقاَ من
غير رادع، ولا زاجر، وتكون حريته كحرية الحيوان المتأبد المتوحش المنطلق
(1) تجربتي مع الحياة، لمحمد أبو زهرة، ص 53 - 4 5.
30